السبت، 25 مايو 2013

نصف العمر


                         ( يقضى الانسان السودانى نصف عمره للحصول على قطعة ارض سكنية ويمضى النصف الآخر فى اكمال بنائها ) هذا القول الذى بالكاد يغطى سطرا فى صفحة كراسة تلميذ فى مرحلة الاساس ، يحكى قصة طويلة تسع مجلدات بحالها ، قصة شعب كم تغنى بمساحة ارضه التى كانت تبلغ مليون ميل مربع ومع ذلك يعجز اى من ابنائه ان يحصل على مساحة 300 م م ليقيم عليها سكنا ويعجز ثانية اذا وجدها ان يشيّدها .

                         عام 1970 عندما كافأ الرئيس الراحل جعفر نميرى لاعبى الفريق القومى بقطع اراض سكنية فى مواقع فاخرة لفوزهم بكأس الامم الافريقية ، استنكر منظرو غيلان الاحتكار هذا الاجراء وتعالى همسهم احتجاجا بأعتباره اجراءا سيقضى على هواية اللعبة ويثقل ادارات الاندية بطلبات هؤلاء اللاعبين لمقابلة تشييد تلك القطع السكنية وسيفتح شهيّة اللاعبين للأحتراف فى خاتمة الامر ، يعنى بأختصار مهما حققوا من انتصارات ترفع اسم الوطن عاليا ، ومهما قدموا من فن وابداع امتع هذا الشعب الصبور ، تريدهم هذه العقلية مجرد اراجوزات مسخّرة فى الميادين مهمتها ان تشغل جمهور الكرة العريض عن قضايا الحياة فى هذا الوطن وتحدد لها نصيبا من ايرادات ابداعها وجهدها وفوزها عبارة عن عطية مزين .

                          عقلية غيلان الاحتكار هذه التى ترى فى امتلاك مواطن لسكن يأويه واسرته رغم ابداعه وتفانيه واخلاصه لوطنه ، تكلفة عالية ستخل بموازين امتيازاتها ، هذه العقلية المؤثرة على كثير من نواحى الحياة فى هذا البلد هى التى قادت المع العقول للهجرة والاغتراب فى نواحى المعمورة وقادت لاحقا موجات الهجرة والاغتراب لعامة الناس وقادت آخرين الى ما يخشى عقباه ، ولم تكتف بهذا الطرد الجماعى الممنهج بأحتكارها لحق العمل والسكن والتعليم والعلاج ، بل اخذت فى الآونة الاخيرة تضع يدها بقوة السلطة على اراضيهم لعرضها فى سوق الاستثمار العالمى بأسم الصالح العام تماما كما فعلت مع العاملين بالدولة حتى لا تجد اجيالهم القادمة شبرا تقيم عليه قبرا .

                        القول الوارد بين القوسين اعلاه - بتصرف قليل - بقدر ما يثير جدلا واسعا عن تعقيدات السلطة فى هذا البلد وطموحات بعض مكوناتها النافذة والمتصادمة بشدة مع الحد الادنى لامانى وتطلعات الانسان السودانى تلك الامانى التى تواطأت عليها البشرية شرقا وغربا وصاغتها فى مواثيق ومعاهدات وقوانين واتفاقيات دولية ، بقدر ما يثير فى النفس شيئا من العرفان كونه صادر من اعلى سلطة فى البلاد ، رئيس الجمهورية .

                        فمن اين اتى هؤلاء بهذا المال الوفير ليمتلكوا هذه المدن الفاخرة المتكاثرة خلال عقدين من الزمان بينما عجزت حكومات الادارة البريطانية والعهد الوطنى انجاز مثيلاتها قرابة القرن من الزمان ؟!
                           .

                           
                          

هناك تعليقان (2):

  1. لم يعد فشل سياسات التنمية والتعمير في السودان بالشئ الخفي عن البيان ، وبالرغم من المقولات والقرارات التي قد تلهب الخيال ، فان واقع الحال يتحدث عن فقر وضحالة ادراة التعمير والبناء ، وعلى كافة المستويات. ليس الأمر توزيع أراضي ، ولكن تنمية متكاملة لا تقتضي اقتراض وتمويل ولكن حسن توزيع واستغلال. لا عجب ان السودان بأكمله يعد قرى متناثرة ، وفق المفاهيم الدولية للعمران ، ولا عجب ان لا يقوى أحد على البناء بينما أسواق المال فيه مضطربة وقاصرة على النهب والاحتيال.. ويكفي أن أية حديث انما يقتصر على الخرطوم وضواحيها ، وصار الكل هامشياً ، وصار الكل غير هام.. بآيدينا كتبنا أحرف الندامة ، ومن صلبنا آتى هؤلاء القساة ، ولعلنا منذ القدم نمارس طقوس شعوذة مهنية ، تذبح العلماء وتمجد أنصاف الرجال والعقول .. فلك الله ياسودان..!

    ردحذف
  2. اشكرك استاذ عادل على هذه الاضافة ، المفارقة ان شروط التمويل بالنسبة للبنوك او شركات البناء المتخصصة لا تنطبق حتى على شاغلى وظائف المجموعة الاولى من العاملين بالدولة من ذوى الكفاءات العالية والخبرات الممتازةنظرا لضعف الراتب ، فمعايير التمويل لم تأخذ فى الاعتبار هذه الفئة من العاملين الذين تعتمد عليهم الدولة اعتمادا كبيرا فى تسيير اعمالها وهم يعلمون ان حديثى العهد بالخدمة فى بعض المواقع وحدهم من تنطبق عليهم مع الفارق فى التأهيل والكفاءة والخبرة التى لم تعد لها ولا لما انجزته قيمة ، ثمة خلل كبير فى المفاهيم والمعايير التى تدار بها البلد

    ردحذف

مشاركة مميزة

اسرار الخلاص

                    الأسئلة لا تستطيع ان تغطى مجاهيل هذى المخاضة ، لا جدوى من سؤال او اجابة فى حضرة ذاكرة محتلة بالعشق ، ذاكرة كل نوافذها...