الثلاثاء، 4 مارس 2014

فى جنح الدجى


                        فى جنح الدجى تستيقظ عصافير المصارين فى الاحياء الشعبية والطرفية ، بعد ان دوّخها التعب والانهاك واسلمها الى نوم او الى اغماء لا ادرى ،  ثم تطلق اجراسها رنينا يهز الشغاف الغليظة ، الجوع هنا هو المنبه الاقوى لهذه الجموع التى تصحو عليه كل صباح .  

                       وكل صباح قبل ان تلامس ارجل هؤلاء الخلق الارض ، تكون دعواتهم قد بلغت عنان السماء ، بعضها صادر من انفس تقية تواصل دعواتهم انطلاقتها الى عرش الرحمن ، وبعضها يرتد على رؤوس اصحابها ليزيد سخونتها سخانة على ما هى عليه ، وكل الدعوات تحمل ذات الهم وذات الرجاء ، سلام عليك عمر الطيب الدوش (الساقية لسه مدوّرة) .

                         فى جنح الدجى ، تمارس ملايين الخلائق فى هذا البلد وفى بلاد العذاب طقسها اليومى هذا آملة وساخطة ، حتى وسم  وجوهها على اختلاف اعراقهم واديانهم والوانهم واوطانهم ، بسمة وحيدة يعرفون بها اينما كانوا ، تعنى ببساطة شديدة مواطنون خارج قسمة الثروة والسلطة او على هامشها ، انهم اولئك الناس الذين حينما يقفون بأحد الابواب طلبا لمصلحة او حق او اعانة يقال لهم (يلا اتكلوا على الله) لعنة الله على مصطلح قسمة السلطة والثروة ، انه فى اكثر معانيه سفورا اسوأ انواع الاقصاء والأستعلاء بفعل معايير القوة والكثرة ، و لا علاقة له بمعايير الحق ولا بالانسانية ، انه مصطلح الغابة المفضّل .

                         ان كان لله شعب مختار ، فلن يكون سوى هؤلاء المستيقظون فى جنح الدجى يناجون احكم الحاكمين ، لأنهم علموا ألا حاكم لهم فى الارض ولا فى السماء سواه ، والحكومات والحاكمون يؤكدون هذه الحقيقة ليس ايمانا بها كحقيقة ثابتة منذ الازل ، وانما بسياساتهم المهملة لحاجات وتطلعات هؤلاء المساكين ، وبنهجها الفظ الغليظ تجاههم حتى كادت ان تضعهم فى مصاف الاعداء ان لم تكن قد وضعتهم فعلا ، فتوجسها من ردود افعالهم على الظلم الممنهج الواقع عليهم ، جعل من أحيائهم اكثر الاحياء حشدا بالقوة الكابحة ، واكثرها حشدا بالمصادر ، واقلها امدادا بالخدمات ، ورغم كل هذا الحرص والحذر والاستعدادات الجارية على مدار الساعة ، رأينا كيف امتلأت الشوارع بغضبتهم فى بلاد العذاب من المغرب العربى الى اوكرانيا وكيف زلزلت العروش ودكتها.

                         الفكرة السياسية فى هذه الاحياء تبدو ترفا لا يعنيهم كثيرا ، كل الذى يعنيهم ، عيش كريم يتيح لهم ولأبنائهم حياة حرة يتمتعون فيها بكامل الحقوق الواجبة على الدولة كفالتها من تعليم وعلاج وعمل ، والحوارات التى تجرى عند المنعطفات الحرجة بين الحكومات والمعارضات اذا خرجت اطروحاتها من دائرة هذه الحقوق ، يتراءى المشاركون فيها اشبه بتجار من القرن التاسع عشر يتصارعون على زريبة رقيق ، عندها يمارس هؤلاء الخلق حريتهم المفضلة فى التعبير عند كل المجالس التى تجمعهم وبالصوت العالى ، يتغلغلون بتحليلاتهم متجاوزين المناطق الحمراء التى تخشى الصحف والاذاعات والقنوات الفضائية الاقتراب منها .

                          وفى جنح الدجى اذا هبّت هذه الجموع لن تستطيع قوة ايقافها ، لن يستطيع ايقافها الا تحالف اللحظة الاخيرة بين قيادات المعارضة والسلطة الحاكمة او لنقل بين المعارضة و قيادات مؤسسات الدولة السيادية ، تحالف كذلك الذى تمّ عندنا فى اكتوبر 1964 وفى ابريل 1985 والا فأن الفوضى ستضع الوطن بأكمله فى كف عفاريت مختلة .

                           فان كان لابد من التحالف او الاتفاق او التوافق او ايا كان المصطلح ، فالآفضل ان يتم الآن فى ظل هذا القدر من الاستقرار الذى لا يزال الوطن يحظى به ، فالجراح مثخنة والغبن ثقيل والكره بلا حدود .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

مشاركة مميزة

اسرار الخلاص

                    الأسئلة لا تستطيع ان تغطى مجاهيل هذى المخاضة ، لا جدوى من سؤال او اجابة فى حضرة ذاكرة محتلة بالعشق ، ذاكرة كل نوافذها...