الثلاثاء، 28 يناير 2014

صدمة المشروع البديل


                          مكونات الشعب السودانى فى تأريخنا السياسى المعاصر اعتادت فى صراعها مع الانظمة التى تصنع تحت مظلة المؤسسة العسكرية ، ان ينتهى وجود هذه الانظمة بأسقاط النظام ، او ان ينتهى المكوّن الذى يقود النظام وفقا لعقيدته وبرامجه التى تتصادم مع بقية مكونات الشعب ، بضربة من رأس النظام الممثل دائما للمؤسسة العسكرية ، وبالامس انتظر اغلب الناس فى هذا البلد سيناريو الضربة المعتادة لتخرجهم من نفق الازمات الطويل الممتد قرابة ربع قرن من الزمان ، الا ان الصدمة كانت حصيلتهم بفعل تعبئة مباشرة وغير مباشرة قادتهم لأنتظار الضربة المعتادة .

                            ما اريد الخوض فيه هنا ، ليس تحليلا للخطاب او المشروع المطروح فيه ، وانما لفت النظر الى نقطة هامة تستوجب الوقوف عندها بتجرد لأنها تنبه الى مآل الحال عند استعصاء الاستجابة للمشروع الوارد فى الخطاب والذى وصف بالفرصة الحقيقية او بالفرصة فى اكثر من موضع ، بمعنى آخر ان النظام الحاكم الآن يدرك تماما ما يواجهه من ازمات ، ويدرك تماما سبل الخروج منها ، وما يتطلبه هذا الخروج من مستحقات ، ولكنه يريده خروجا تشاركيا دون اقصاء لأحد ، وقد بيّن ذلك فى خطابه فى اكثر من موضع  .

                             قد يبدو للبعض ان مصدر هذه الدعوة هو ضعف حلّ بالنظام نتيجة لما احدثته انتفاضة سبتمبر الماضية ، وما احدثه الاخفاق فى معالجة  قضايا الفساد والمظالم فى بنية النظام نفسه بخروج اقوى رموزه بتلك البساطة التى شهدناها ، وقد يبدو للبعض ان مصدر هذه الدعوة تحالفات قد تمت (تحت التربيزة) واحتاجت الى اخراج يسوقها فى الشارع السودانى ، وقد يبدو للبعض ان مصدرها ضغوطات خارجية جاءت محمولة مع زيارة الرئيس الامريكى الاسبق جيمى كارتر ، وقد يبدو للبعض غير ذلك ، ولكن الحقيقة الماثلة امامنا ان هذا المشروع هو البديل المطروح الآن امام قوى المجتمع السودانى بكافة مكوناته ، للحيلولة دون الصدام فيما بينها .

                              بمعنى آخر ان هذا المشروع هو فرصة ما قبل الصدام ، او بمعنى اكثر دقة ان هذا المشروع هو فرصة ما قبل الحرب ، فأولى المرتكزات التى طرحها للخروج من الازمات التى نواجهها هى السلام حيث جاء فيه ما يلى (هذا تحد يبدأ فيه المؤتمر الوطنى بنفسه ويطرحه للآخرين جميعا من الفعلة السياسيين ، اذ ان الشعب فى حياته العريضة لا يتصوّر هذه الاولوية مجل جدل بل يتطلع اليها كغاية ويريدها واقعا وليست هناك من حاجة لتبيان ان هذه الدعوة الى التعاقد على الوثوب الى الامام تكون ناقضة لنجاعتها ان هى لم تضع السلام اولوية مطلقة ، فى هذا يقول المؤتمر الوطنى ان القتال حصن لحماية الحق والكرامة وسيظل ، لا يحتاج السودانيون ولم يحتاجوا قط الى كثير شحذ عند تعيينه) ويضيف (ان هذه الوسيلة الفاعلة الضرورية لا يجوز تعطيلها ما دعا داع اما الغاية فلا تجوز الغفلة عنها ابدا لأن الغفلة عنها تحويل للعراك عن تعينه بغايته النبيلة الى كونه رياضة او ادمانا او وسيلة لغايات اخرى تتعلق بالمصالح الخاصة حزبية او فئوية او قبلية) ويؤكد (ان السلام لن يستفيض او يثبت اذا جاء نتيجة تفريط فى حق الشعب) ويختم (فأذ يتبنى كل السودانيين السلام اساسا يكون قرار هذه المعارك قرارا موحدا لأنها يستوجبها السلام لا لأنها خروج على السلام وفى هذا تحرير لمفهوم الحرب العادلة يجب ان يتناوله بالنظر الملىء كل ناسنا لا فقط فلاسفتنا او مثقفونا او سياسيونا ، السلام ايجاب ولن يتحقق كنتيجة الا اذا كان كذلك السعى اليه قصد لا اضطرار وهذا يخرج اية صفقة ضعف او طمع من كونهما سلاما) .

                         فهذه الفقرات رغم اجتزائها الا انه لا يغيّر شيئا من المعنى المقصود ، بل تقف هذه الفقرات عقيدة ثابتة فى النظر الى السلام ، ولأنه الركيزة الاولى فى هذا المشروع فأن كل القضايا فى الركائز الثلاثة الباقية لن تحظى بوضعها الطبيعى الذى يجب ان تكون عليه فى ظل افتقادنا للسلام ، بمعنى آخر ان قيام نظام سياسى ديمقراطى يكفل الحريات بالمعايير الدولية المتفق عليها ونظام اقتصادى حر بلا تدخلات ونظام اجتماعى خالى من الفقر والانحلال رهين بأصطفاف جميع مكونات الشعب السودانى حول غاية تحقيق سلام عادل لا يمس حقوق وثوابت الآخرين ، وان يستمر الاصطفاف حتى فى حالة الحرب اذا اخفقت الجهود فى تحقيقه مع الخارجين عليه .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

مشاركة مميزة

اسرار الخلاص

                    الأسئلة لا تستطيع ان تغطى مجاهيل هذى المخاضة ، لا جدوى من سؤال او اجابة فى حضرة ذاكرة محتلة بالعشق ، ذاكرة كل نوافذها...