الخميس، 9 يناير 2014

حبة قمح ميتة


                       لمحمود درويش (انا حبة القمح التى ماتت لكى تخضر ثانية وفى موتى حياة ما) انها قصة الموسم الشتوى لزراعة القمح بمشروع الجزيرة ، يحفظها المزارعون بأدق تفاصيلها ويحفظون لها جمايلها فى ما تهبه لهم من حياة ، ولكنها فى الموسم السابق كانت حبة ميتة وشبعت موت ودفنت ولم تحضر او تدب فيها حياة ، وشبعت وسائل اعلامنا طيلة الفترة الماضية من عرض اوصافها وعرض ادق تفاصيلها ، ويستطيع اى طفل تابع ما نشر واذيع عنها ، ان يمد اصبعه بكل ثقة مشيرا الى المسئول عن موتها وموت الموسم الشتوى بالمشروع وموت آمال المزارعين التى انبنت على هذه الحبة وموت اموالهم ايضا .

                       الجديد فى هذه القصة هو موقف البنك الزراعى الرافض لتوصيات لجنة التحقيق الرامية على ان يقوم البنك بدفع تعويضات المزارعين ، وبالرغم من موقفى المبدئى المؤيد بشدة بتعويض المزارعين وبصفة عاجلة ، مثلى فى ذلك مثل الكثيرين فى هذا الوطن ، الا اننى اقف وبشدة ايضا مؤازرا لموقف البنك الزراعى للأسباب الآتية :

                        1- ان لجنة تقصى الحقائق عندما اوصت بأن يقوم البنك الزراعى بدفع التعويض دون الطرفين الآخرين (وزارة الزراعة وادارة التخزين ) كان عليها ان تضع فى اعتبارها ان البنك محكوم بقوانين تحدد صرف امواله بصرامة ، وخارج نطاق هذه القوانين لا توجد سلطة قادرة على الزامه بدفع تعويضات غير السلطة القضائية اذا افترضنا مسئوليته فى فشل الموسم .

                        2- ان استجابة البنك لهذه التوصية سيضفى على مثل هذه اللجان بجانب كونها قاتلة للقضايا سيضفى عليها وظيفة جديدة بتحويلها لأداة سهلة لهدر المال العام او تحويله الى خزائن خاصة .

                       3- المسئولية القانونية والاخلاقية لهذه القضية تقتضى تحديد الجهة التى تسببت فى فشل الموسم الشتوى وتحميلها تبعات فشلها لا ان تختزل فى تسوية مالية .

                        4- ثمة خلل هيكلى يبدو واضحا فى ادارة العملية الزراعية يتيح للأطراف المشتركة فيها نوعا من الاستقلالية ، استقلالية اقرب الى مهارب من المسئولية ، لا يوجد جسم ممسك بأطراف هذه العملية الزراعية لكى يتحمل تبعات الفشل مثلما يتحمل تبعات النجاح .

                        من المعلوم فى بلاد العالم الثالث انك اذا اردت ان تقتل مشكلة ما فكوّن لها لجنة ، وان معظم اللجان التى كوّنت فى قضايا عامة آل مصير قضاياها الى الموت ، ومع تقديرى التام لموقف لجنة تقصى الحقائق المؤكد لحق المزارعين فى التعويض وتثبيت هذا الحق فى توصيتها ، الا ان توصيتها بالزام البنك الزراعى بدفع التعويضات اعاد القضية الى مربعها الاول ، وترك المزارعين فى عراء ملىء بذئاب تعوى ساخرة من مطالباتهم ، وستظل فى هذا العراء الى ان يعود الموسم الشتوى القادم دون ان تسترد مليما واحدا من خسائرها ، الواجب القانونى والاخلاقى يقتضى ان تذهب هذه القضية الى القضاء ، وللأسف فأن الدولة ممثلة فى اطرافها الثلاثة العالقة بهذه القضية رمت بهذا الواجب على عاتق المزارعين  .

                       

                        

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

مشاركة مميزة

اسرار الخلاص

                    الأسئلة لا تستطيع ان تغطى مجاهيل هذى المخاضة ، لا جدوى من سؤال او اجابة فى حضرة ذاكرة محتلة بالعشق ، ذاكرة كل نوافذها...