الخميس، 23 يناير 2014

اختر قفصك


                        الحياة فتنة وحشد من الاغراء ، تغريك بالشىء ونقيضه ، وتأريخ البشر ابرز وقائعه الحرب والسلام ، الحب والكراهية ، الكفر والايمان ، وبين كل منهما هدر مهول للأرواح والدماء ، هذا تأريخ مؤكد بوقائع حقيقية ، لكن الحقيقة الكبرى هى ان الشمس ظلّت تشرق وتغرب منذ ازل بعيد بعيد ، منذ ان وجد البشر على هذه الارض دون ان تتأثر بهذا التضاد الذى يعيشونه ، الحقيقة هى ان الحياة محايدة ، تمنحك يوميا صباحات ونهارات واصائلا ومساءات كل منها مزدانة ببريقها الخاص ، وانت اصغر من ان تستوعب كل هذا العطاء الجزيل ، اصغر من ان تحرر نفسك من حاجاتها .. من خوفها .. من خبثها ومن كل ما يبثه فيك فجورها ، اصغر من ان تتحرر حتى من اسر حداثة الحياة ( كم احن الى تلك الازمنة الهادئة النظيفة ، ازمنة ما قبل الاشياء التى تشع ، والاشياء التى تهدر ، والاشياء التى ترسل الدخان ، تلك الازمنة الصغيرة كحدائق حيث الانسان البسيط ، فيها الالهة المتعددة الوظائف تصدح كطيور الوروار فى سماء العالم ) هذه كلمات الشاعر اللبنانى حسن العبد الله ، هى توق مرعب للحرية حوّلته الى عصفور يغرد داخل قفص محكم الاغلاق ، قفص كبير لم يختره وانما هكذا وجد نفسه فيه ، فأخذ يحن الى ازمنة انطوت ، تبدو احلامها واشواقها التى يشكل حاضرنا جزءا منها توقا للخلاص والتحرر ، فتلك الازمنة لن تحررنا ، اذا دخلناها سندخل فورا فى قيودها ، الحنين هروب رقيق من الواقع ، الحنين قيد آخر من ألم .

                         الحياة محايدة ، هى محايدة فى وحشتها الاولى ومحايدة فى راهن حداثتها ، محايدة حتى وان رأيتها قفصا كبيرا ، حرر بصرك وانظر اليها بحياد ، سترى الجمال متدفقا فى جنباتها ، وسترى كل جميل فيها ، قفصا جميلا ، من ذلك العاشق المبدع الذى اطلق على زواجه القفص الذهبى ؟! لقد صدق ، فالمرأة التى تعشقها قفص ، ادخل فيه وتحرر فالعشق حرية ، واحساسك بالجمال حرية ، وحين يصل يقينك بالله الى نقطة ثباته الاخير ، فأعلم انك قد بلغت مطلق الحرية ، ولن يضيرك عندها ان تنتهى حياتك معلّقا على مقصلة او ان تستمر فى الحياة مغنيا للجمال ، او ساكنا فى متعة التأمل فى عظمة الله .. ساكنا متحررا فى قفصه .

                          قال الواصل جلال الدين الرومى ( التحرر هو ان ادخل فى قفصك ) .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

مشاركة مميزة

اسرار الخلاص

                    الأسئلة لا تستطيع ان تغطى مجاهيل هذى المخاضة ، لا جدوى من سؤال او اجابة فى حضرة ذاكرة محتلة بالعشق ، ذاكرة كل نوافذها...