الاثنين، 18 أغسطس 2014

ادوات النظام الدولى


                      داعش والدولة الاسلامية اللتان تصدرتا الميديا العالمية هذه الايام ، مولود شرعى لأزمة دول التعدد الأثنى والعرقى والدينى ، لفشل هذه الدول المريع فى خلق ارضية عادلة للتعايش بين مكوناتها ، وفشلها المريع فى ايجاد صيغة آمنة تمكنها من التعاطى مع مبادىء ومواثيق وعهود واتفاقيات المجتمع الدولى او النظام العالمى القائم ، فأصبحت ازماتها باوضاعها المضطربة عقبة كؤود امام مشاريع النظام العالمى ويراها مهددا لرفاهية شعوبه ، وقد كان صمويل هنتجتون صادقا فى مؤلفه (صراع الحضارات - الطبعة الاولى 2006 - طبعة دار الامل للنشر والتوزيع ص 169 ) حين اوضح نوايا المجتمع الدولى فى كيفية معالجة هذا التحدى حيث قال :

                     ( ان السياسات العالمية بعد ان حفزتها حركة التعصير يجرى اعادة تركيبها الآن لتكون منسجمة مع الخطوط الثقافية ، فتتقرب الشعوب والدول ذات الثقافات المتشابهة لتجتمع معا ، بينما تتباعد الشعوب والدول ذات الثقافات المختلفة فتفترق .... الخ ) والآن حين يتابع المرء ما يجرى فى العراق من نزوح وتهجير لليزيديين والمسيحيين ، ويرى قيام التكتل الكردى فى الشمال والذى الغى الجغرافيا السياسية لأماكن تواجده المعروفة بكل من سوريا وتركيا لمواجهة الخطر الناشىء من عمليات الدولة الاسلامية وداعش ، لا يجانب المرء الصواب حين يرى ان كلا التنظيمين يلعبان بوعى منهما او بغير وعى ، دور الاداة الماضية فى اعادة بناء النظام العالمى ، فثمة خريطة جديدة اخذت تتشكل فى افق العراق ،  والمتابع لجراحات هذا الوطن الشقيق منذ حرب الخليج الاولى ، لا يغيب عن ناظريه خطا النار اللذان فصلا الشيعة فى الجنوب والاكراد فى الشمال ، واشعلا الوسط السنى بأحلام الدولة الاسلامية بكل ما صاحبها من عنف ودماء ومحاولات مستميتة لاحياء تواريخ استترت خجلا فى كتب التراث .

                     ما يجرى الآن فى العراق هو نموزج لما سيؤول اليه الحال فى دول التعدد التى عجزت عن ادارة تعددها بما يلبى الحد الادنى من متطلبات المجتمع الدولى الضاغطة خلف الكواليس ، وعجزت ان تلبى الحد الادنى من متطلبات مكوناتها ، وعجزت ان تتيح لهذه المكونات فرصة ان تدير شئونها منفصلة عن سطوة الدولة المركزية ، ما يجرى فى العراق الآن رسالة واضحة لدول التعدد بأنها تقف الآن على مهب الريح ( فالتكتلات التى حددتها العلاقات بالايديولوجيا وبالقوة العظمى تنهار وتخلى السبيل لقيام تكتلات تحددها الثقافة والحضارة . ويجرى اعادة رسم الحدود السياسية على نحو يزداد يوما بعد يوم لتتلاءم مع الحدود الثقافية (العرقية والدينية والحضاراتية) وتحل محل كتل الحرب الباردة وتصير خطوط الصدع بين الحضارات اكثر فأكثر هى الخطوط المحورية للصراع فى السياسات العالمية . صمويل هنتجتون المرجع السابق ) .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

مشاركة مميزة

اسرار الخلاص

                    الأسئلة لا تستطيع ان تغطى مجاهيل هذى المخاضة ، لا جدوى من سؤال او اجابة فى حضرة ذاكرة محتلة بالعشق ، ذاكرة كل نوافذها...