الخميس، 23 ديسمبر 2010

عصر التسّييس


                     يمر عالمنا اليوم بتغييرات كثيرة واخطرها هذا التغيير الذى طرأ على الامم المتحدة ومنظماتها ونال من قدراتها التى بدت عليها عقب الحرب العالمية الثانية فقد كانت حارسة امينة على المبادىء والعهود والمواثيق والاتفاقيات التى استهدفت ان تكون الحياة فى كوكبنا اكثر امنا وسلاما وكرامة وتطورا ، الا ان هذه المبادىء والمواثيق والعهود والاتفاقيات التى تواضعت عليها الدول الاعضاء بالمنظمة اصبح الحفاظ عليها والعمل بموجبها رهين بمدى توافقها مع سياسة الخمسة الكبار فى مجلس الامن ، اما المنظمة فقد بدا عجزها عن توفير الحماية لمخيم لاجئين لا يتعدى عدد افراده من رجال ونساء واطفال الاربعة آلاف نسمة كمخيم اشرف امرا بقدر ما يدعو للمخاوف والاسف فهو يدعو الشعوب الى اعادة النظر فى النهج الذى ظلت تدير به صراعاتها مع بعضها البعض.
                     
                     فبعض حكومات المنطقة بلغ بها الاستبداد فى ادارة صراعات الداخل حدا اصبحت معه اكبر متعهد امداد للمنافى والملاجىء بمواطنيها المفترض ان يكونوا تحت رعايتها وحمايتها ، حتى صار امر ادارة الدولة فى ظل هذه الصراعات لايعنى سوى تداول دورى للتصفية والاقصاء ، واصبحت بعض مكونات شعوب المنطقة تبعا لذلك تتخذ من المنافى والملاجىء مراكزا لأستهداف حكومات اوطانها او بالأحرى مراكزا للمحافظة على استمرارية تلك الدورة الخبيثة التى تدفع فيها الشعوب ارواحها ودماءها هدرا ،وسواء ارادت ام لم ترد ستجد ان منافيها وملاجئها قد تحولّت الى سوق دولى زاخر بأوراق الضغط السياسى للراغبين فى تمرير اجندتهم داخل تلك البلدان المنتجة للجوء والمنافىء .

                    وما يدعو للحزن والألم هنا ان شعوب هذه البلدان نتيجة لهذه الاوضاع الشاذة التى تأباها الفطرة الانسانية السليمة وترفضها كل الاديان والثقافات ويعجز العقل الذى ميّز حياة الانسان عن حياة الغاب عن تقبلها، تعيش تحت مطرقة حكوماتها وسندان معارضاتها مكتوفة الايدى ، بلا أمل يلوح فى آفاقها ، فلا الداخل الذى ينضح بكراهية الآخر ولا الخارج الذى يسعى لأبتلاعهما معا يمكن ان يخلص هذه الشعوب من عذاباتها ، فحين يغيب عقل ابن الوطن خلف مصالحه الضيقة ويحتمى بعرقه تارة وبدينه تارة اخرى وبجبله اخيرا لن تستطيع ارقى الآليات التى ابتدعها الانسان لجعل التعايش فى الوطن الواحد ممكنا بين بنيه بمختلف اعراقهم واديانهم وثقافاتهم لن تستطيع ان تفعل شيئا فى محيطه ، فحتى الديمقراطية اصبحت مدعاة للمجازر والازمات ، فأى عقل هذا ؟

                    ان عالمنا قد طرأ عليه تغيير كبير ، فلم تعد اغانى ( تؤخذ الدنيا غلابا ) قادرة على طرب من بيده القوة والسلطة ،  فالفيران لم تعجز عن هدم ( سد مأرب ) ، ولم تعد قرابين الدم والارواح فى الاناشيد قادرة على تحرير وبناء وطن مصيره فى الختام سيكون معلّقا بين يدى مؤسسات دولية قانونها الوحيد الأخذ والعطاء بمقادير تتوقف نسبها على مواقف سياسية ، حتى كرة القدم اصبحت تتحكم فى مجرياتها المواقف السياسية ، فاذا عجزت مواقفك السياسية عن تأمين الداخل من الصراعات العنيفة تكون قد سلّمت الخارج مفاتيحا ليدخل بها الوطن متى شاء ومن اى باب شاء ، كل شىء اصبح خاضعا للسياسة بدءا من كوب الماء الذى نشربه وانتهاءا بالمحكمة الجنائية الدولية التى لم تتوقف مساوماتها السياسية ، لا فى السودان ولا فى لبنان ولا قريبا فى ساحل العاج وعلى المكشوف.

                   نحن الآن نعيش عصر طوفان السياسة ولا عاصم منه سوى اتساع دائرة الرضا والقبول بين ابناء الشعب الواحد . 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

مشاركة مميزة

اسرار الخلاص

                    الأسئلة لا تستطيع ان تغطى مجاهيل هذى المخاضة ، لا جدوى من سؤال او اجابة فى حضرة ذاكرة محتلة بالعشق ، ذاكرة كل نوافذها...