الأربعاء، 15 ديسمبر 2010

فضائح بالمزاد


                           كثيرة هى  المهن التى تقتضى اخلاقياتها صون اسرار الناس ، كمهنة القضاة و  رجال الشرطة ، فحاجة الناس اليهم حاجة مستمرة تستوجب ان تكون تفاصيل العلاقة بينهما فى مأمن ، وديننا وقيمنا واخلاقنا كمسلمين تمنعنا من تناول سيرة الناس بالسوء احياءا كانوا او امواتا وان كان هذا السوء حقيقة دامغة ، ( فكلكم خطاء وخير الخطائيين التوابون) ( ومن كان منكم بلا خطيئة فليرمها بحجر ) وكل ذلك حماية للأسر والمجتمعات من ان تصاب بشروخ قاتلة نتيجة لنشر تفاصيل واقعة او حكم خاص بشخص ما يدفع ثمنها ضمنا ابرياء بحكم صلاتهم به.
                           فقد فاجأ السيد والى الخرطوم الكثيرين بخروجه الفظ عن هذه القيم والتقاليد بنشر وقائع محاكمات سابقة لفتاة الجلد - وهو الاسم الذى شاع فى الميديا العالمية عقب بث الشريط الذى تعفف منه موقع اليوتيوب وقام بأزالته بسبب محتوياته المسببة للصدمة والتقزز- فقد افاد بأن هذه الفتاة سبق محاكمتها فى بلاغات خاصة بالدعارة ، وهى افادة قد تبدو محتملة من سياسى هاله تأثير الشريط على صورة سلطته الحاكمة التى اضحت مدعاة للصدمة والتقزز واراد بذلك ان يخفف من آثاره ، ولكنه لم ينتبه لتداعيات هذه الافادة على صورته كراع مسئول عن رعيته ، المتقين منهم  والفاجرين ، فخلفاؤنا الراشدون كانوا يخافون من مسئولية ان تعثر بغلة فى اطراف دولتهم دع عنك جلد امرأة دفعت صرخة استغاثة احداهن الخليفة المعتصم ان يشن حربا ضروسا فوا معتصماه .
                           ومع ذلك تبدو افادة السيد الوالى على سوئها اخفّ وطأة على النفس من وصول وقائع هذه المحاكمات السابقة اليه ،فالجهة التى امدته بها ارتكبت فعلا اشد خطرا على امن المجتمع من تجاوزات وانتهاكات شرطة امن المجتمع ، فالوالى فى نهاية الامر مواطن سودانى مكلف بأدارة شئون المواطنين فى هذه الولاية ولا يعطيه وضعه هذا الحق فى الاضطلاع على اسرار الناس ، والا اصبحت هذه الاسرار سلعة تباع فى مزاد علنى يمكن ان يتحصل عليها من ارادها اما بقوة موقعه الرسمى واما بقوة ماله اوبغيرذلك وما اكثر الاسرار التى تحتويها ملفات الدولة ، قضائية كانت او غيرها ، وما اسهل استغلالها فى ابتزاز الناس سياسيا واجتماعيا واقتصاديا ، وبحكم خبرتى المتواضعة بقوة الشرطة اعلم ما يمكن ان تشعله مثل هذه الملفات من نيران ولاشك ان معظم ضباط هذه القوة الذين احيلوا الى التقاعد بموجب الصالح العام يعرفون الكثير المثير الخطر ولكن التزامهم بأخلاقيات المهنة منعهم من اقامة مثل هذا المزاد العلنى للفضائح رغم قهر الظروف التى يعيشون فيها .
                           يبدو ان تداعيات شريط (فتاة الجلد) لا نهاية له ، واصبح اشبه بفايروس فاتك كلما قفلت عليه بابا فتح عليك ابوابا من مخاطر جديدة لا تدرى الى اى هاوية تقودك.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

مشاركة مميزة

اسرار الخلاص

                    الأسئلة لا تستطيع ان تغطى مجاهيل هذى المخاضة ، لا جدوى من سؤال او اجابة فى حضرة ذاكرة محتلة بالعشق ، ذاكرة كل نوافذها...