السبت، 11 ديسمبر 2010

فى رحاب الشيخ حمد النيل


قبة الشيخ حمد النيل
                      مذهلة جدا طبيعة الانسان وما تختزنه من محبة قادرة على ان تجعل مقابره ارضا تموج بالحركة والحياة ومكانا جميلا للذكر والذكرى والفرح ، مكانا يأتيه الناس من كل فج عميق ومن كل دين وعرق ، شيبا وشبابا واطفالا ونساء ، جمهرة تذكرك بأيام الاعياد والاعراس ، لكنها فى هذا المكان تبدو محتشدة بسر انسانى عظيم ممتد من عصور سحيقة فى التاريخ ، رآه من قبل  اب التاريخ هيرودت  وقال فيه  ( عالم اقل تعقيدا واكثر نقاءا ، غير ملوث بتعقيدات العالم الحديث واحباطاته ) و القول كان فى روعة مملكتنا النوبية القديمة الا انه ظل حيا ولائقا على هذا المقام .. على هذا الضريح الذى يحتضن داخله احد اسرار هذه الارض الطيبة . واحد اسرار هذه الارض الطيبة ، انها ارض الاولياء والصالحين ، بشهادة موثقة من التاريخ والجغرافيا ، حملتها الجبال والمدن اسما ومعنى ، والطيب صالح كان يرى ان جبل البركل الذى صار عند غزو الليبيين لمصر مقرا لكهنة طيبة ، هو الجبل الذى ناجى فيه سيدنا ابراهيم ربه ، وكلّم فيه سيدنا موسى الله تكليما ، اما جبل اولياء فقد اكتفى بحمل الاسم الى حين ان نكتشف ما وراءه من اسرار ، وصالحة مدينة تعود بذات الاسم الى ازمان سحيقة فى التاريخ واحسب على ذلك ما شئت  من المدن القائمة على هذه الارض الطيبة .

                     الجمعة الفائتة كنا فى حضرة الشيخ حمد النيل احتفالا بختان انجال صديق عزيز ، وبصحبتنا الام والعمات وبنات العمات والجارات وشيخ ربطتنا الصداقة به قبل ان يصير شيخا ، وكاتب صحفى جميل يجمعنا معا حب مشترك لوردى ولأشياء جميلة اخرى كثيرة ، عند وصولنا وقف بجانبنا فتى وفتاة من استراليا ، تناولنا حديثا مقتضبا عن امدرمان حين اتى الزحام بسويدى يرتدى جلابية سودانية بجانبى يحمل فى يده كبقية الاجانب كاميرا فيديو ومذكرة يسجل فيها ملاحظات ما ، وعلى الجانب الآخر من الحلقة مجموعة اخرى من الاجانب نساءا ورجالا تملكتهم حالة من الوجد فاخذوا يرددوا مع الذاكرين ( الله  الله  الله ) طاف بذهنى فيلم (جوليا روبرت) الذى شغل الميديا فى الفترة السابقة ( eat .. love .. pray ) عن فتاة قادها خواؤها الى معابد بوذا بحثا عن غذاء روحى ، فرأيت سعة الموائد التى تقدمها هذه الحلقة لهؤلاء الاجانب ، وعرفت قليلا من سر انجذابهم اليها متى وطأت اقدامهم ارض السودان .

                    المشهد برمته يخفى وراءه سرا غامضا تبدو بداياته  من قبل الميلاد  عند (هومر) الذى كان النوبيون فى رؤيته رجالا مستقيمين ومحبوبين من قبل الآلهة ، فهذه الاستقامة وهذا الحب الالهى ارث سودانى اصيل دفع (هيرودوت) ان يفاخر به حتى آلهتهم فى ذاك الزمان حين قال ( ان اسمى المقيمين فى الاولمب يرتحلون اليهم ويشاركون فى ولائمهم ، وقرابينهم هى الاغلب تقبلا من كل تلك الضحايا التى يستطيع البشر تقديمها لهم ) وقد بلغت معرفة العالم القديم بأستقامة السودانيين وحب الآلهة لهم انه فى طور سيادة عبادة ايزيس كانوا يحبذون حضور اى من اولياء السودان لطقوس تلك العبادة ليصبغوا عليها الكمال ، وهكذا ظلّ حال هذه الارض قرنا بعد قرن ودينا بعد دين الى ان جاء المبعوث رحمة للعالمين ليتجلى لنا فى رحابه اولياء صالحون ما انفكت سيرهم تلوح على  سماوات كثير من الامكنة على مر الزمان .

                    الشيخ حمد النيل سر من هذه الاسرار الدفينة التى تزخر بها ارضنا ، وطريق للباحثين عن الخلاص .
                    
                      

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

مشاركة مميزة

اسرار الخلاص

                    الأسئلة لا تستطيع ان تغطى مجاهيل هذى المخاضة ، لا جدوى من سؤال او اجابة فى حضرة ذاكرة محتلة بالعشق ، ذاكرة كل نوافذها...