الاثنين، 30 ديسمبر 2013

الغسل بالكلمات


                          (سأعلّق السنة الجديدة من اقدامها على حبل غسيل وانتظرها حتى تجف من بلل الماضى) هذه كلمات القاص و الشاعر اللبنانى الجميل باسكال عساف ، بنفسه يريد ان يصنع سنته القادمة نظيفة كصحراء الربع الخالى ، نظيفة كدواخله ، تعجبنى هذه الارادة الممتلئة بالتفاؤل والعزيمة ، ويخيفنى بشدة الانتظار طوال الوقت الذى تحتاجه السنة القادمة لتجف فيه من بلل الماضى ، فالانتظار هنا ذاكرة تفتح نوافذها على جراحات نازفة تحتاج الى بحر ليغسلها ، والى ملح يعصر عويلها الذى كان يسلمّك كل ليلة الى ليل مجنون ، فالانتظار هنا يعنى الجلوس على جرح والبلل عويل طويل من نزيفه الحارق ، ولكنها فى الآخر ستجف وستخرج بيضاء ككف موسى عليه السلام ، لم تكن حالما ابدا ايها الشاعر الجميل وانت تنظر الى سنتنا القادمة ، الآن انظر من خلال عينيك وارى كم العوالق المتراكمة فى نفوس الكثيرين ، العوالق التى تبنى داخلهم منفى موحشا لن يروا العمر فيه سوى عام جاف ممتد بلا نهاية ، نفوس تحتاج ان تغطس فى  محيط وبحر لتغتسل منها ، تحتاج لكل الملح فيهما ليتغلغل داخل كل الجراح ليوقظها من شرودها داخل هذا الموات المقيم .

                           فكرة ان العمر عام جاف ممتد بلانهاية ، فكرة حية لدى الملايين فى اوطان العذاب ، يعمل الشعراء فيها جهدهم لغسلها رأس كل عام ، ينجحون حينا وياخذهم الواقع المر احيانا كثيرة الى تغذيتها بعوالق جديدة تزيد منفى النفس اتساعا :
( اردت ان اطلب شيئا من العام الجديد كما يطلب الاصدقاء :
ما اريده من الوقت السريع هذا هو ان يلتصق 2014 فى جاره القريب 2015 وادخل مباشرة فى ال 16 فيكون لا بأس به ويطول قليلا .. ولكنى اخاف ان ادخله فعلا فلا اعمل عملا حتى يطل علىّ احد الاصدقاء ويقول : عام سعيد علىّ وان شاء الله يكون 2017 افضل مما سبقه ) هذه كلمات الشاعر الجزائرى على بهنس ، ولن اجانب الصواب ان فلت انها كلمات الكثيرين فى اوطان العذاب ، كلمات لن تجعل سنتك القادمة كما تريد ولكنها تعزيك فى مصابك بها ، وتقول لك لست وحدك ، ما يحبسك فى الجدب هناك يحبسنى فى الجدب هنا ، و القدر الضئيل من التحريض فيها هو ما يبقى جذوة الامل حية فيك ويمنعك الاستسلام وان اضطررت الى الارتماء  فى احضان الحلم .

                            غدا اول السنة الجديدة ، لن اسمح لشىء ايّا كان ان يفسد علىّ سنتى الجديدة ، لا الحكومات الفاسدة التى تنتزع حقوق و احلام وتطلعات الشعوب وتمنحهم بدلا عنها صدمات متتالية تشج الرأس بحيث لا يعرفون معها رأس السنة من اقدامها ، ولا غيلان المجتمعات المتباهية بحفلاتها الزاهية المدفوعة القيمة سرا من قسمة الثروة والسلطة الظالمة ، ولا اسواق الظلام المخادعة التى تحاول ان تسرق ما فى جيبى بما تروجه من احتفالات زائفة ، لن ادعهم يستأثرون وحدهم بالجمال المتدفق على هذا الكون البديع ، سأوقد شمعتى اينما كنت ، مع اسرتى الصغيرة ، او وحدى فى غرفة منعزلة ، او امام باب بيتى ، او حتى فى مكان العمل ، واقول لأجمل خلق الله ، اولئك الذين يصنعون الفرح بكلمة او اغنية او لوحة او نغم يهدهد متعبى الحياة قبل النوم ، اقول لهم : كل سنة وانتم طيبون ، العالم بكم يظل جميلا ، العالم اجمل لأن خالقه جميل يحب الجمال ، سأوقد شمعتى واحتفل بسنة جديدة سعيدة ، وكل سنة وانتم طيبون .
                           

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

مشاركة مميزة

اسرار الخلاص

                    الأسئلة لا تستطيع ان تغطى مجاهيل هذى المخاضة ، لا جدوى من سؤال او اجابة فى حضرة ذاكرة محتلة بالعشق ، ذاكرة كل نوافذها...