الثلاثاء، 3 ديسمبر 2013

كسلا ام القبيلة ؟


                        ما يجرى من هجوم على البصات السفرية المتجهة الى كسلا ، لا يبدو لى حدثا محليا مرتبطا بموقف قبلى من السلطات ، ففى الصورة العامة تبدو كسلا والقبيلة هدفا مزدوجا من وراء الهجمات على البصات السفرية المتجهة اليها ، فمثل هذا الهجوم عند تصاعده يؤدى الى عزلة المدينة ونزوح سكانها اذا استحكمت هذه العزلة ، فمن هو المستفيد من موت هذه المدينة ؟

                          السلطات الامنية تعلم ان حدودنا الشرقية ظلت محل نشاط لجماعات مسلحة منذ امد بعيد ، ولكننا كعادتنا حاصرناه داخل مصطلحاتنا المحببة (شفتة ، مهربون ، تجار ممنوعات ) الى آخر تلك المسميات الهاربة من حقيقة تلك التشكيلات المسلحة واهدافها وما انجزته من مهام على مدى تلك العقود الطويلة من نشاطها المسلح على تلك المساحات من ارض الوطن ، فثمة مساحات تبدو فى ازدياد وتتجه الى التحرر من اى ظل رسمى كمقدمة للتحرر من اى ظل سيادى .

                           ولكى نتمكن من الرؤية الصحيحة لما يجرى فى كسلا ، علينا ان نصطحب التأريخ والجغرافيا معا ونضعهما تحت مجهر النظام الدولى الجديد ، فمعلوم ان كسلا كانت احد ميادين الحرب العالمية الثانية كمنطقة نزاع بين المستعمرين الايطاليين المحتلين لاثيوبيا واريتريا وبين بريطانيا المحتلة للسودان ، وثمة دماء ذكية اريقت على هذه الارض وارواح طاهرة ازهقت من اجلها وخلّفت وراءها ذكريات متخمة بالكثير ، لم تقتصر على البريطانيين والايطاليين فحسب وانما طالت السودانيين والاريتريين ايضا ، وهو تأريخ قريب تشهد عليه حتى اغنيات لا تزال حيّة ، فالمستعمرون تركوا فى كل ارض خرجوا منها بؤرا للنزاع ، ومهما طال سكونها تجدها تلوّح دائما بأنفجار ولو بعد حين ، وكسلا ليست استثناءا ، بل تبدو فى ظل النظام الدولى الجديد بؤرة محفّزة لخريطة جديدة ، خاصة اذا اخذنا فى الاعتبار هبة الطبيعة التى جعلت من اراضينا سهولا زراعية خصبة لم ينقطع عنها نظر جارتينا اثيوبيا واريتريا ، اللذين لم يكفا عن لعن الجغرافيا السياسية التى رسمها الاستعمار ومنحتهم جبالا بلا سهول ، فاى فعل مسلح على تلك المساحات لا يعدو الا ان يكون تعبيرا لتلك اللعنة سواء ان جاء بأرادة رسمية او ارادة شعبية .

                           ان اكثر ما يقلق المرء فى هذه الهجمات ، ليس الهجمات فى حد ذاتها ، وانما التوقيت ، فهو مؤشر الى تفكك تماسك الجبهة الداخلية التى اثخنتها الصراعات حول السلطة حتى باتت اشبه بالجزر المعزولة ، الى الحد الذى يشجع قبيلة ان تزج بأبنائها فى معترك اذا بلغ نجاحاته سيخرج كسلا من خريطة الوطن وسيخرج القبيلة نفسها من ارض كسلا ، فثمة معايير عرقية ودينية وثقافية جارية الان فى اكثر من بقعة فى العالم ، هى التى ستحدد الارض ومن يسكنها ، ولن نستطيع مواجهتها ونحن بهذا التشتت ، ولن نستطيع معه ان نصل الى اتفاقيات مع جارتينا يجعل من هذه السهول محل استثمارات مشتركة تغطى كثيرا من احتياجاتنا جميعا ونضمن بها امن وسلام واستقرار المنطقة . 

                           ان ما يجرى من هجوم على البصات المتجهة الى كسلا ، فعل يستهدف كسلا والقبيلة معا ، فهل يستيقظ اللاعبون المنفردون والمتكتلون والقابضون على السلطة والمتطلعون اليها ، هل يستيقظون من هذا الكابوس الدامى والمدمر الذى يخوضون فيه ، قبل ان يأتى عليهم يوم يجدون فيه انفسهم لا يستطيعون عبور نهر او جبل او سهل من ارض الوطن الا بتأشيرة دخول .
                            

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

مشاركة مميزة

اسرار الخلاص

                    الأسئلة لا تستطيع ان تغطى مجاهيل هذى المخاضة ، لا جدوى من سؤال او اجابة فى حضرة ذاكرة محتلة بالعشق ، ذاكرة كل نوافذها...