الرصيف ثقب ارضى ابيض ، يجذب جرحى الروح الى عالم من فراغ ، او هكذا نراه عالما من فراغ ، مثلما نرى على رصيف شارع النيل وحيدا جالسا على كنبة من اسمنت وخشب ، نراه تمثالا يحدق فى الفراغ القائم بين الماء والسماء ، يحدق طويلا طويلا كأنه يفرغ فيه حملا ثقيلا ادمى روحه ، اى مدخل على هذا الثقب سيفضى بك الى فضاء مزدحم بالألم والعذاب ، سيفضى بك الى انسانية تتجرح فى اللحظة آلاف المرات جراء عالم متوحش ، يدوس وهو يركض نحو الخراب النهائى على اجمل وانبل خلق الله ، فلا مفر سوى الهروب منه الى الارصفة ، لا يهم ان كانت ارصفة على ضفاف النيل او امام البنايات العالية ، المهم ان يكونوا خارج مدى نظر هؤلاء البشر المسكونين بالوحوش .
فى البنايات العالية وحينما يموت احد المقيمين على ارصفتها او يعجز عن النهوض صباحا ، لا يطلب سكانها - بشر من جلدة اسمنتية مطابقة لمواصفات البناء - لا يطلبون الاسعاف وانما يهاتفون مسئول البلدية مستفسرين عن اسباب تأخر عربة نفاياتهم هذا الصباح ، ويبدون تاففهم من كومة الخرق المرمية على رصيفها ، ويا حزنى على الخرق المرمية على الرصيف ، على الوجع الانسانى المرمى على الرصيف ، على الجمال المحبوس فى وجدان الخرق المرمية على الرصيف ، والجمال المتدفق من اصابعها احرفا وانغاما والوانا تسر الناظرين .
الرصيف قبر ارضى حى ، اشهد ان الانسان الحق ينام تحت الخرق المتناثرة عليه ، وان الانسان الظل يمر عليه كمروره على اللاشىء ، فأرقدوا بسلام آمنين ، الاحياء منكم والاموات .
الى روح السابقين لبهنس واللاحقين له اذا وسعتهم الارصفة
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق