الاثنين، 8 أكتوبر 2012

فقه البراءة


                    فى مؤتمر الحركة الاسلامية الثامن بولاية الخرطوم تبرأت الحركة من اى ظلم وقع على الناس فى هذا البلد ، وهو اعلان يبدو فى احد وجوهه ، منتهى الجرأة ومنتهى الشجاعة ، ويطمئن الناس ان ثمة تنظيم هنا يأبى الظلم ويتبرأ منه ، وهو امر جدير بالاحترام والتقدير والمؤازرة ، فلا احد يرضى لنفسه الظلم او يرضاه لغيره ، ولكن هذه البراءة عسيرة الهضم على العقل السودانى حين تطلق هكذا بدون مستحقاتها خاصة وان الحركة الاسلامية بالسودان ومنذ 30 يونيو 1989 لم تألوا جهدا فى الامساك بمفاصل الدولة لتحقيق مشروعها المعلن والمعروف ( بالتمكين ) وهو مشروع تمّ تنفيذه بأقتدار بعد احلال كوادرها محل عشرات الآلاف من العاملين الذين فصلوا من الخدمة  ، هكذا تراءت الصورة بجلاء للكثيرين وستظل هذه الصورة راسخة مالم تأتى براءة الحركة المعلنة اخيرا بجديد يهدم هذه القناعة التى صاحبت رؤيتنا لها منذ تسعينات القرن الماضى .

                    ليس هناك ما يدفع ايا من المفصولين لدحض اعلان البراءة هذا وتعزيز الاتهامات المزمنة التى احاطت بهذه الحركة ،واخص المفصولين لأنهم اول ضحايا مشروع التمكين ولأن معظمهم كانت الدولة بالنسبة لهم العائل الوحيد والضامن القوى بعد الله ، ولأن الدولة فى تأريخ هذا الوطن كانت تعنى حامى الحقوق ، ثم جاءت حملة الفصل الجماعى فى اوج سطوة الاسلاميين لتهدم صورة الدولة فى وجدان المفصولين حتى صار الوطن فى نظرهم مجرد حنين عابر ، ورغم المرارات التى خلفتها هذه الحملة الجائرة فليس هناك ما يدفع ايّا من المفصولين لدحض هذه البراءة التى تستوجب بالمقابل ان تكشف لنا الحركة الاسلامية عن القوة التى نفذت هذه الحملة التى غيّرت شكل وجوهر الخدمة العامة فى السودان للدرجة التى دفعت رأس الدولة فى لقاء قبل فترة قريبة ان يعلن مبشرا الخريجين الذين ذاقوا مرارة العطالة عن انتهاء فترة التمكين ؟

                    لست هنا بصدد ربط اعلان البراءة هذا بأى ظل صراع سياسى رغم كثرة الروابط ، ولكنى احمل هذه البراءة مجردة كموقف اخلاقى يقتضى ان يكمل مسار شجاعته بتوضيح ما خفى علينا طوال هذه السنوات حتى لا نفهم اعلان البراءة هذا مجرد اجتهاد جديد يدعى فقه البراءة .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

مشاركة مميزة

اسرار الخلاص

                    الأسئلة لا تستطيع ان تغطى مجاهيل هذى المخاضة ، لا جدوى من سؤال او اجابة فى حضرة ذاكرة محتلة بالعشق ، ذاكرة كل نوافذها...