الأحد، 28 أكتوبر 2012

الهدف التالى


                  الزرائع والحجج التى حفلت بها عدد من المواقع لتبرير العدوان على مصنع اليرموك ، والتى ربطت انتاج المصنع بملف القضية الفلسطينية بأعتبار ان نشاط بعض الفصائل الفلسطينية يشكل انتاج المصنع من الذخيرة والمقذوفات والصواريخ العنصر الهام فى تسليحها ، كما ان ربطه بالملف النووى الايرانى بأعتبار ان المصنع يشكل احتياطى استراتيجى لمخزون ايران من صواريخها بعيدة المدى وقاعدة لتطويرها وتأثير ذلك على الصراع الدائر حول الملف النووى الايرانى الذى تتزعمه اسرائيل وتعد لتوجيه ضربة عسكرية اليه ، هذه الزرائع والحجج كأنما تعطى اسرائيل الحق الدائم فى توجيه ضرباتها الجوية الى اى اهداف عسكرية سودانية ، بعد ان طالت فى السابق الأفراد والجهات الضالعة فى تجارة وتهريب الاسلحة بشرقنا الحبيب .

                   وما يدعو للغرابة هنا ، هذا السكوت الجماعى عن هذا العدوان الذى يتصادم مع القانون الدولى بأنتهاكه لسيادة دولة مع سبق الاصرار والترصد ، رغم اعوجاج المنطق الذى انبنى عليه ، فأذا سلّمنا جدلا ان اطرافا سودانية تقوم بأمداد بعض الفصائل الفلسطينية بأسلحة وذخائر ومقذوفات تم تصنيعها بمصنع اليرموك ، فأن كثيرا من الفصائل التى تحارب انظمتها القائمة تتلقى السلاح بذات الكيفية من العديد من مخازن ومصانع السلاح شرقا وغربا بما فى ذلك من اسرائيل نفسها ، والامثلة كثيرة اقربها الى لحظتنا الراهنة ما يجرى فى سوريا الآن ، دع عنك ان تلك الفصائل تدافع عن ارضها ، اما ما يقال عن التعاون العسكرى القائم بين السودان وايران فأن الغارة الأسرائيلية نفسها ما كان لها ان تتم بهذا النجاح لولا الامداد المتواصل من مصانع الاسلحة الامريكية وغيرها والتى دخل بعضها فى شراكة فعلية مع اسرائيل فى تطوير تلك الصناعة العسكرية التى تعتمد اسرائيل عليها اعتمادا كليا فى اعتدائها على الدول العربية ، فهذا المنطق الذى اعطى اسرائيل مشروعية لعمليتها هذه هو ذات المنطق الذى يعطى الجماعات العربية والاسلامية المدعوة بالمتطرفة مشروعية لعملياتها فى الدول التى تمد اسرائيل بالأسلحة والعتاد - مع الفارق بالطبع بين الدول والتنظيمات - ولكن بين الدول ثمة قانون دولى يتعامل مع مثل هذه الحالات حتى لا تتعامل الدول كالجماعات والتنظيمات المدعوة ارهابية .

                    كل هذا لا يهمنى هنا بقدر ما يهمنى ان الوضع الراهن بالسودان بتعقيدات ازماته المحيطة بمركز الحكم ، يستحيل معه مواجهة مثل هذه الاستهدافات ، فالضربة فى احد ابعادها الامنية القريبة للعقل وفى ظل الحظر و الحصار المفروض على توريدات الاسلحة من قبل الامم المتحدة وامريكا ، تبدو ممهدا اوليا لأجتياح قادم يتطلب تجفيف القوات المسلحة من حاجتها للاسلحة والذخائر والمقذوفات ، وتبدو فى بعد آخر محاولة لمعادلة ميزان القوة بين السلطة القائمة والحركات المسلحة -التى تبدو الآن فى حالة حصار بعد اتفاق اديس ابابا الاخير- وذلك لفرض حلول عجز الطرفان للوصول اليها سلميا، لكنها تبدو فى احد ابعادها فرصة اخيرة لقوى المجتمع السودانى الحاكمة والمحكومة ان تلجأ بقوة الى العقل لترتيب اوضاعها السياسية دون تكابر قبل ان يقوم آخرون بترتيبها .

                     وما يهمنى هنا اكثر ، انه اذا سكت المجتمع الدولى طويلا عن هذا العدوان فلن يعنى ذلك سوى ان ثمة ضربة قادمة ، فلنلحق انفسنا قبل ان تلحق ايادى العدوان الهدف التالى .

                   
                    

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

مشاركة مميزة

اسرار الخلاص

                    الأسئلة لا تستطيع ان تغطى مجاهيل هذى المخاضة ، لا جدوى من سؤال او اجابة فى حضرة ذاكرة محتلة بالعشق ، ذاكرة كل نوافذها...