الثلاثاء، 30 أكتوبر 2012

لم يعد بحيرة سلام


سفن حربية ايرانية ترسو في ميناء سوداني


                  البحر الاحمر من اهم الممرات المائية التى تربط الشرق بالغرب هذا معلوم ، ولكن فى الفترة السابقة شهد مهددات امنية ابرزها نشاط القرصنة الصومالية الذى ادى الى حشد من سفن حربية متعددة الجنسيات لحماية الملاحة فيه خاصة تلك الناقلة للنفط ، وكان من الغرابة بمكان ، ان الدول التى شكّلت هذا الحشد البحرى الحربى -سواء على البحر الاحمر او فى مدخله على المحيط الهندى- بحجة مكافحة القرصنة ، كان من الغرابة بمكان ان تتخذ من البحر ميدانا لمكافحتها القرصنة بينما الجميع يعلم ان اساسها قائم على الارض الصومالية ، بمعنى آخر ان القرصنة لم تكن سوى زريعة للحشد الذى يبدو عملا استباقيا استهدف تأسّيس قاعدة بحرية انتظارا لمعارك قادمة .

                 وفى اليومين الفائتين انشغلت الميديا العالمية برسو قطع بحرية حربية ايرانية ببورتسودان وعبور قطع حربية اسرائيلية لقناة السويس تحت حراسة مشددة فى طريقها الى البحر الاحمر ، وهذا الحراك الحربى البحرى بين ايران واسرائيل يجىء عقب الغارة الاسرائيلية على مصنع اليرموك الذى تتدعى اسرائيل ارتباطه الوثيق بمنظومة الصواريخ الايرانية ومشاريع تطويرها ، ولأن هذه الصواريخ عطّلت حتى الآن مشروع العدوان الاسرائيلى على المنشئات النووية الايرانية ، فقد اصبحت تشكل تهديدا امنيا لم تعرفه اسرائيل من قبل ، خاصة مع التقدم الذى احرزته ايران فى مجال صناعة الطاقة النووية ، ولكن هذه الصواريخ وتوابعها من الاسلحة والذخائر والمقذوفات الايرانية قد عرّضت مجالنا الجوى لأختراقات متكررة من الطيران الحربى الاسرائيى الذى لم يتوان فى كافة هذه الاختراقات من قصف اهدافا سودانية وغيرها على الارض السودانية ، كان آخرها مصنع اليرموك .
                 فالبحر الاحمر والذى ظلّ لأزمان طويلة بمناى عن الحروب ، ورغم الجهود التى بذلت من الدول المطلة عليه ومنذ سبعينات القرن الماضى ليكون بحيرة سلام ، دخل الآن بسبب الملف النووى الآيرانى دائرة حروب الشرق الاوسط والخليج ، واصبح السودان بحكم علاقاته مع ايران ضمن دول المواجهة فى هذه الحروب ، ولست هنا بصدد الحكم على هذه العلاقة وتكاليفها ، فأيران دولة مسلمة تستحق ان تحظى بعلاقات طيبة مع كافة الدول الاسلامية ، ولكن البحر الاحمر هو رئتنا الوحيدة التى نتنفس من خلالها ، واى معارك هنا لا تعنى سوى حصارا خانقا تبدو خسائره اكبر واعظم من الخسائر التى تنتج عن حرب الاستنزاف التى شهدنا بعض ملامحها فى ضربة مصنع اليرموك ، اما الاخطر من ذلك هو ان يخرج شرقنا الحبيب مع هذه المعارك مرة والى الأبد من الخارطة خاصة وان مشروع تقسيم هذا الوطن والقائم منذ امد بعيد فى مخيلات داخلية و اقليمية ودولية يبدو فى اوج نشاطه .

                  البحر الاحمر لم يعد بحيرة سلام ، ولم تعد فى يد العرب حيلة او سلاح ، ومصر الشقيقة يعربد الطيران الحربى فى سمائها حينا بعد حين ، وارجو ان يكون فى الوقت متسع يتيح لهذا الوطن الحبيب خروجا آمنا من هذه المآزق التى تتراءى فى يقظتنا كوابيسا مرعبة تدفع المرء اما الى مواطن المهارب واما الى مواطن التهوّر ، ذالك التهوّر الذى دفع يوما احد وزرائنا الأجلاء حين اصاب العالم رعب كبير من ازمة خليج الخنازير بين امريكا والاتحاد السوفييتى ان يقول ( اللهم اجعلها حربا لا تبقى ولا تزر ) وحمى الله السودان من كل شر .
                 

                  

                 

                 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

مشاركة مميزة

اسرار الخلاص

                    الأسئلة لا تستطيع ان تغطى مجاهيل هذى المخاضة ، لا جدوى من سؤال او اجابة فى حضرة ذاكرة محتلة بالعشق ، ذاكرة كل نوافذها...