الخميس، 17 فبراير 2011

هذه الذاكرة


                      الذاكرة سر مخيف ، تعيدك حينا الى اقسى لحظات الألم التى عشتها وتعيدك حينا آخر الى اجمل لحظات العمر ثم يعيدها الى مكمنها حاضر ممتلىء بالهموم والمشاغل والآمال ، و ليس هذا مكمن السر المخيف ، فهذا حال الانسان على مر الزمان ، ولكن الخوف حين تغشاك حالة تتحوّل فيها الى كتلة حيّة من لحم ودم وعظم وليس امامك سوى الفراغ ، فراغ لا تعرف فيه المكان ولا الزمان ولا الأشياء و لانفسك ومن تكون وماذا تريد وبماذا تشعر ، لا شىء يصلك بما حولك ، لا الرغبة ولا الخوف ولا الألم ولا الجوع ولا المرض ، حىّ كميّت ، وهذا ايضا لن يكون مبعثا لخوفك وانما للآخرين الذين يعرفونك ويخشون على نفسهم وذكرياتهم من هذه الحالة ، ولكن الخوف الحقيقى هو ان تصحى يوما وتجد ان ذاكرتك قد اقفلت ادراكك ومعرفتك بأقرب واحب الناس اليك فى قبو داخل مغارة فى غابة مظلمة محاطة بألف متاهة ومتاهة .

                       ( the note book ) فيلم يحكى هذه الحالة ، تشاهده لمرة وتتمنى مشاهدته لالف مرة ، ويبدو لى انه الفيلم الاول فى تاريخ السينما العالمية الذى تناول الحب فى اسمى معانيه ، تناوله فى قصة واقعية زاخرة بكل اشكال ومعانى الحياة .. الحياة فى خيرها وشرها .. فى حربها وسلمها .. فى ثرائها وفقرها .. فى تعاليها وتواضعها .. فى اعتدادها وطموحها وفى قدرة الحب على جعلها قيمة سامية تستحق ان تعيشها لآخر نفس لديك .

                       تصور ان الانسانة التى الهمتك يوما المعنى الحقيقى للحياة ، وملّكتك مفاتيح النجاح فيها ، وهدمت من اجلك انت العامل البسيط اسوار طبقة بأكملها كى تكون معك لتعيشا سويا فى مملكة محاطة بالحب والجمال ، حلمتما بها فى زمن شاب لم تلوث مشاعركما فيه امراض المجتمعات وعداواتها المستفحلة تجاه كل ما هو انسانى وتجاه كل ما هو صادق ونقى ، ثم تمضيا معا فى رحلة حياة خلّفت بنينا وبناتا واحفادا وفجأة يغيب كل هذا التاريخ من ذاكرتها ، تغيب كلك من ذاكرتها ، تغيب عائلة  خرجت من قلبيكما وامتدت لثلاثة اجيال من ذاكرتها .

                        ماذا كنت ستفعل اذا واجهتك هذه المأساة يوما ؟ 
لقطة من الفلم
سأمسك يخيوط هذا الحب خيطا خيطا ، واتنسم خطاه خطوة خطوة ، ولن افوّت مليمترا واحدا من مشاويره التى قطعها ، وسأحفظ كل شاردة وواردة فى رحلة هذا الحب الطويل واسجلها فى كتاب اقرأه لها على مدار اليوم صفحة صفحة وسطرا سطرا فحتما ستيقظ فى ذاكرتها لحظات حبيبة قادرة ان تستعيدها من غيابها المخيف .

                        هذا بالضبط حكاية الفيلم ( the note book ) توكل على الحب و قرأ كتابه بقلبه العاشق فاستعادها دقائق معدودات لكنه استعاد معها فى هذه الدقائق حياة طويلة مفعمة بالمشاعر ، فالحب مثلما صنع حياتهما صنع معجزة عودنها ثانية الى قلبه العاشق والى قلبها العاشق ورحيلهما معا الى رب رحيم يكفى لديه حبهما لبعضهما البعض شفيعا لهما .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

مشاركة مميزة

اسرار الخلاص

                    الأسئلة لا تستطيع ان تغطى مجاهيل هذى المخاضة ، لا جدوى من سؤال او اجابة فى حضرة ذاكرة محتلة بالعشق ، ذاكرة كل نوافذها...