الأحد، 21 نوفمبر 2010

الاستفتاء


                        تصاعد حدة الاتهامات بين المؤتمر الوطنى والحركة الشعبية حول حرية ونزاهة وشفافية الاستفتاء امر بقدر ما يعكس ازمة الثقة المستفحلة بين الطرفين فهو يعكس احدى علل اتفاقية نيفاشا التى بدت معها ترتيبات هذا الاستفتاء وما صاحبها من تعقيدات اشبه بترتيبات لحرب جديدة ، وما يدعو للغرابة هنا ان تصبح الاتفاقية برمتها رهينة لأحد بنودها كأنما نجاحها الكبير فى وقف نزيف الدم وحفظ الارواح واتساع دائرة الحريات لا يستحق ان يحظى بوقت اضافى يسمح لللاعبى الطرفين استعادة انفاسهم من عراكهم الذى استمر لخمس سنوات حتى تأتى خاتمتها محظية برضا وقبول جميع الاطراف ، فلماذا الاصرار على قيام الاستفتاء فى مواعيده رغم ان اكثر القضايا حساسية ما زالت عالقة وتلوح فوق سماء الوطن قنابلا موقوتة ؟ ما الذى تخشاه الاطراف المعنية بهذه الاتفاقية من ( مواعيده ) هذه؟

                 
                       الحركة الشعبية فى تقديرى ترى فى قيام الاستفتاء فى مواعيده فرصة تأريخية لفصل الجنوب والانفراد بحكم دولته البترولية الوليدة لعقود طويلة قادمة بعد ان عجزت فى حراكها الطويل مع المؤتمر الوطنى والقوى السياسية الشمالية فى الوصول الى حل لمعضلة حقوق المواطنة المتصادمة مع القوانين الاسلامية فى الشمال ، بمعنى آخر ان فشلها فى مقايضة الوحدة بالقوانين الاسلامية كان بمثابة تعبئة  مباشرة للانسان الجنوبى بأن حقه كمواطن فى ظل هذه القوانين سيجعله كما قال سلفا كير مواطنا درجة ثانية وبالتالى اصبح الانفصال خياره الوحيد الذى يريده فى اسرع وقت ، لذا يجىء تمسكها بهذا الموعد امرا مقدسا يشجعها فى هذا الموقف اطراف خارجية تفتحت شهيتها لهذا البترول البكر الغزير .
                     اما المؤتمر الوطنى فقد وجد نفسه مع هذه المواعيد امام مأزق اشد واقوى من ذلك الذى واجهته الحكومات الديمقراطية بعد انتفاضة ابريل ، فأذا كانت تلك الحكومات قد اختارت سلطتها بديلا لمواجهة القوانين الاسلامية للخروج من مأزقها بعد ان قالت فى تلك القوانين ما لم يقله مالك فى الخمر فأن المؤتمر الوطنى ظل امام مأزق شديد الصعوبة فى الاختيار بين القوانين الاسلامية ووحدة الوطن ، بين سلطته ووحدة الوطن ، وبمثلما اختارت القوى الديمقراطية الحاكمة آنذاك  القوانين الاسلامية للحفاظ على سلطتها فلم يستطع المؤتمر الوطنى الخروج عن هذا الاختيار ولكنه فى ذات الوقت لن يستطيع الحفاظ على وحدة الوطن وهى مسئولية تأريخية تضعه امام مواجهات داخلية واقليمية شديدة الخطر ليس على سلطته فحسب بل على ما يتبقى من الوطن .من هنا يبدو الاصرار على هذه المواعيد خاصة من قبل المجتمع الدولى بمثابة نقطة الحسم الاخيرة لصراع طويل لم تستطع اتفاقية نيفاشا وضع نهاية له ، او بالاحرى نقطة تقرير المصير لكلا الطرفين .
                  الآن فأن الشعب السودانى بكل مكوناته فى شماله وجنوبه امام اختبار قاسى لا سبيل معه لتفادى المخاطر الناتجة عنه سوى التعاون على اخراج الاستفتاء وفقا للمعايير المطلوبة واحترام نتائجه ايا كانت ، وان تبدأ فى ترتيبات ما بعد الانفصال ليس على صعيد الدولتين فحسب كما لا نتمنى وانما على صعيد الداخل الشمالى و بذات القدر على صعيد الداخل الجنوبى حتى لا تكون الفوضى والدماء حصادنا الاخير من هذا الصراع الطويل .   
                  

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

مشاركة مميزة

اسرار الخلاص

                    الأسئلة لا تستطيع ان تغطى مجاهيل هذى المخاضة ، لا جدوى من سؤال او اجابة فى حضرة ذاكرة محتلة بالعشق ، ذاكرة كل نوافذها...