الاثنين، 1 نوفمبر 2010

حجب الفيسبوك

                   يدور حديث هذه الايام بأن الهيئة القومية للاتصالات قد شكلت لجنة من اساتذة جامعات وخبراء للنظر فى تأثير موقع (الفيسبوك) على النواحى الاكاديمية والاجتماعية وبالتأكيد السياسية وذلك توطئة لأتخاذ قرار بشأنه اما بحجبه او تركه موقعا مفتوحا للسودانيين ، فأذا صحّ هذا الحديث او لم يصح فأن اتجاه الهيئة فى الاستعانة بآخرين قبل اتخاذ قرارات مؤثرة يعد فى حد ذاته محمدة ولكن تبقى هذه المحمدة رهينة بهوية هؤلاء الآخرين لأن مثل هذا القرار فى تقديرى اكبر من ان يناقش على نطاق لجان ضيقة قد تحكم رؤيتها على الموقع خلفيات لا تحظى بتمثيل حقيقى للسودانيين الذين يهمهم فعلا سلامة الحياة الاكاديمية والاجتماعية والسياسية فى السودان ، هذا بجانب ان هذه الخطوة من الهيئة الرامية الى حجب الفيسبوك قد تشوه صورتها التى بنتها من خلال تعاملها المتوازن مع مستخدمى الانترنت  ما بين حقها فى تطبيق سياسة الحظر حسب قوانينها وحق المستخدم فى الدخول الى المواقع التى يرغب فى دخولها وكان هذا الاسلوب الذى اتبعته طوال السنوات الفائتة مفخرة لنا كسودانيين مدونين فى عدد من المواقع ظللنا نتباهى به بين اقراننا فى بلدان المنطقة العربية والاسلامية الذين عانوا كثيرا من سياسات الحجب التى اتبعتها السلطات فى بلدانهم ، فلماذا  جاءت هذه الخطوة فى هذا الوقت الذى اتجه فيه العالم  لأعتبار الانترنت حق من حقوق الانسان ؟
                 القضية الاولى التى يتعلق بها مشروع القرار كسبب لحجب الموقع هى قضية تدنى التحصيل الاكاديمى لطلبة الجامعات بأعتبار ان الموقع شغل الطلاب عن الاهتمام بواجباتهم الاكاديمية ، انها مصيبة فعلا ان يصبح وعى طالب الجامعة فى السودان فى مستوى وعى تلاميذ مرحلة الاساس ، يستوجب الرقابة والحجب حتى يلتفت الى مهامه الدراسية ومصيبة اكبر ان تنتج مؤسساتنا التعليمية مثل هذا الطالب ولا نكتشف هذا الخلل فى نظامنا التعليمى الا فى مرحلة الجامعة ومع وجود موقع كالفيسبوك ، انها حجة شبيهة بالمثل القائل ( عذر اقبح من الذنب ) فتدنى التحصيل الاكاديمى لا علاقة له بالفيسبوك وانما بعدة عوامل ابرزها ما يتعلق بالمناهج وبكادر الاساتذة ومدى تأثيرهم على تحصيل الطالب علما بأن تدنى التحصيل فى حالات مقدرة تتدخل فى حدوثه عوامل سياسية وفكرية واخرى ناتجة من فساد من بيدهم الامر ، فهذه حجة مردودة ومسيئة لقطاع الطلاب الجامعيين  وتشكك فى مستقبل مواردنا البشرية .
               القضية الثانية تأثير الموقع على حياتنا الاجتماعية , وهى قضية جديرة بالاهتمام وبالبحث والدراسة وميدانها صفحات السودانيين من الجنسين على الفيسبوك وهنا تعكس هذه الصفحات سلوكا اجتماعيا راقيا متمسكا بروح القيم والاخلاق التى نشأ عليها السودانيون ويندر ان تجد خروجا عليها وذلك لعدة اسباب اهمها ان اصحاب هذه الصفحات حريصون على تقديم افضل ما عندهم من فكر وادب وفن ورياضة اضافة لتباهيهم بدينهم فقل ان تجد  صفحة من  صفحات السودانيين لرجل كانت او امرأة خالية من ارتباط دينى سواء اكانت خاصة بحب رسولنا الكريم او بالدفاع عنه او بغيرها واى خروج على هذا الوجه الاجتماعى المشرف يتم حجبه من صاحب الصفحة بالادوات المتاحة له وهنا يبدو الفيسبوك عالما اجتماعيا جديدا حرا لا حكر فى المنافسة فيه واستطاع بذلك ان يبرز مواكبا من مبدعين ضاقت عليهم مواعيننا الاعلامية فلماذا يحرم مئات الالاف من السودانيين من فضاء جمعهم على خير ؟
              القضية الثالثة هى تأثيره على الحياة السياسية فى السودان ، وهى الميزة التى انتبه لها معظم سياسيو العالم فبادروا بفتح صفحاتهم عليه ليبدأ زحف كبير من احذابهم ومنظماتهم وامتد استقطابه لوسائل الاعلام وسلسلة طويلة من منظمات المجتمع المدنى وقد حذت احذابنا ومنظماتنا حذوهم خاصة ابان الانتخابات الاخيرة بما فيهم المؤتمر الوطنى الحاكم ونظرا لجدواه الكبيرة فى التأثير فقد حشد كل حذب افضل ما عنده من كوادر لأدارة معاركه السياسية على صفحاته واضعا فى الاعتبار ان الشفافية وحدها هى معيار المصداقية فى هذا الموقع الذى يحظى فيه الجميع بميزات متساوية وادوات ومساحات متساوية اى فضاء حر يتنافس فيه المتنافسون بلا تدخل وهو بالضبط فضاء يعبر عن واقع ديمقراطى يحظى بكامل حرياته الاساسية ولا يعبر الحجب هنا الا عن فكر انكفائى يبدو فى احسن حالاته مقدمة لأنقلاب ظلامى .
                ان سياسة الحجب فى ظل التقدم التكنلوجى الهائل الذى طرأ فى مجال الاتصالات قد تنجح الى حين ولكنها سرعان ما تجد نفسها مواجهة بفضاء لا احد يمتلك مفاتيحا لأغلاقه وعندها لا منجاة لمن يخافون مما يطرحه الآخرون سوى منازلتهم فى نفس ميدانهم وبنفس ادواتهم فالافضل ان تبدأوا بها الآن قبل ان تضطروا اليها مستقبلا بعد فوات الاوان .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

مشاركة مميزة

اسرار الخلاص

                    الأسئلة لا تستطيع ان تغطى مجاهيل هذى المخاضة ، لا جدوى من سؤال او اجابة فى حضرة ذاكرة محتلة بالعشق ، ذاكرة كل نوافذها...