الثلاثاء، 17 أغسطس 2010

الى اين تقودنا ازمة مياه النيل ؟

                    صمت مريب يطبق على الجهات الضامنة لأتفاقيتى مياه النيل الصادرتين فى 1929 و 1958 تجاه مشروع الاتفاقية الجديدة التى وقعت على بنودها مبدئيا دول الحوض بأستثناء السودان ومصر المتمسكتين بحقهم التأريخى فى حصصهم من مياه النيل المبينة فى الاتفاقيتين اعلاه ولا يلوح فى الافق اى تحرك للمنظمات الدولية المعنية بهذا الامر لحصار هذا المشروع فى مهده قبل ان يتحول الى مشروع حرب تغرق معه دول الحوض فى انهار من الدماء.
                 و من المبررات التى ساقتها الدول الواقفة وراء مشروع الاتفاقية الجديدة تقول انهم غير ملزمين بقبول اتفاقيات تم ابرامها فى ظل الاستعمار الذى لا يعبر عن ارادة وتطلعات دول الحوض فى استثمار موارده لسد حاجاتها  وتقول الآن ان التغيير المناخى يفرض واقعا جديدا يقتضى اعادة النظر فى هذه الاتفاقيات وتطالب كلا من السودان ومصر التراجع عن موقفهما والازعان للاتفاقية الجديدة التى تحظى بشرعية جميع دول الحوض بأستثنائهما .
                 حتى لا نغرق فى تفاصيل مبررات كل طرف او فى دحضها علينا ان نتناول موقفنا كسودانيين من هذه القضية التى تلوح فى آفاقها اشباح حرب لا تتوقف عند حدود حصص المياه وانما تتخطاها الى حدود البلدان السياسية التى خطها الاستعمار , ولا يخفى على كثير من المراقبين ما يعنيه جنوب السودان بالنسبة لمنطقة البحيرات التى تم ترتيبها وفقا لأستراتيجية خاصة يبدو معها مشروع الاتفاقية الجديدة واستفتاء جنوب السودان ذراعين فاعلين فى تحقيق اهدافها الاخيرة والتى تمتد آثارها الى منطقة الشرق الاوسط لذا علينا ان نبقى فى حدود مخاطر مشروع الاتفاقية الجديدة على السودان.
               من المعروف تأريخيا ان لا شىء شغل فراعنة مصر بخلاف انشغالهم بصراع العرش مثل ماء النيل الذى اقاموا له احتفالا سنويا يهدى اليه اجمل بناتهم حتى لا يتوقف فيضانه وتتوقف حياة مصر تبعا لذلك ، وكان محمد على باشا اكثر حكام مصر فى عهدها الحديث اهتماما بالنيل حيث افرد له ميزانيات استدعى لها معظم مفامرى العالم  لأكتشاف منابعه وواصل خلفاؤه وكانوا اول من اقام مشروعا مائيا خارج حدود مصر لتأمين وصول المياه لأراضيها (خزان جبل اولياء) ومد النفوذ المصرى الى داخل يوغندا لذات الهدف ، وفى عصرنا الحالى يعلم المهتمون بقضايا الرى وجغرافية السودان المسوحات التى اجرتها مصر داخل السودان لتحديد موارده المائية التى لا علاقة لها بمياه النيلين الابيض والازرق وروافدهما وهى مسوحات تبدو فى احد وجوهها حماية لأى تغول مستقبلا على نسبة مصر العالية فى حصتها من مياه النيل مقارنة بحصة السودان ، وفى الثمانينات اشارت احدى المجلات المصرية الى ان المخططين الاستراتيجيين للامن القومى المصرى كانوا قد وصلوا لقناعة مبكرة بضرورة وجود جيش سابع بمصر تقتصر مهمته الى حماية تدفق مياه النيل ويكون قادرا للوصول الى منابعه  فى اقصر وقت واختيرت اسوان مقرا له.
                اما فى السودان فأن اهتمامنا بقضايا المياه لم يتجاوز مجرى النيلين ولا تتعدى منشآتنا المائية عليهما اصابع اليد الواحدة ويفصل بين بناء كل منشأة والاخرى عقود من الزمن فمن خزان سنار الى الروصيرص وخشم القربة واخيرا سد مروى عبرت مياه كثيرة من حصتنا كان من الممكن ان تقلل كثيرا من خسائرنا الناتجة عن حالات الجفاف والتصحر وشح الامطار وها نحن الآن مواجهون بأخطر تحد يهددنا حتى فى نسبة حصتنا التى ظل يدور حولها جدل طويل منذ 1929 هذا اذا وقف عند حدود مشروع الاتفاقية الجديدة اما اذا مضى الاستفتاء الى غايته التى يسعى لها بعض هنا وهناك وحول العالم والرامية لفصل الجنوب فأننا بلا شك سنكون وحدنا امام هذا التحدى .
                ويبدو ان  مجريات الامور الآن تجرفنا الى تلك النقطة التى سنواجه فيها هذا التحدى المصيرى وحدنا لذا يتوجب علينا بعد ان فاتنا الكثير ان نلحق وحدتنا من التداعى مهما كان الثمن والا فأن ما يتبقى منها اذا وقع الانفصال بقضاياه العالقة لن تمكننا من تثبيت حقوقنا فى مياه النيل او حمايتها دع عنك استغلال ما تجود به الطبيعة من موارد مائية فضلا عن تلك التى تختزنها الارض فى باطنها والتى اصبحت من السهولة بمكان ان تنهب من ابعد المسافات بفضل التكنلوجيا المتقدمة ، لاشىء يمكننا من مواجهة هذا الخطر القادم سوى الوحدة فعلى الوحدة يدوم السلام وعلى الوحدة تدوم المياه وعلى الوحدة تستمر الحياة .


             

                  
                


                  

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

مشاركة مميزة

اسرار الخلاص

                    الأسئلة لا تستطيع ان تغطى مجاهيل هذى المخاضة ، لا جدوى من سؤال او اجابة فى حضرة ذاكرة محتلة بالعشق ، ذاكرة كل نوافذها...