السبت، 7 أغسطس 2010

قضية ضباط الشرطة المتقاعدين

 تبدو قضية ضباط الشرطة المتقاعدين فى نظر الكثيرين قاصرة على ضحايا الحملة المنظمة التى طالت معظم مؤسسات الدولة تحت ستار الصالح العام وفقدت الشرطة نتيجة لذلك اكثر من جيل فى صفوف الضباط ولكن هنالك حالات فصل اخرى تمت خارج اطار هذه الحملة كانت اكثر ظلما كحالات الضباط الذين فصلوا بموجب اجراءات ادارية باطلة انتهك فيها القانون بشكل سافر ومخجل وحالات الضباط الذين فصلوا نتيجة لأستقالات قسرية يطول الحديث فيها، وقد احاطت بكافة اجراءات الفصل هذه ظروف كانت فيها دائرة العدالة اكثر ضيقا لتستوعب مطالبا بتحقيق العدل والانصاف فلم يكن امام معظم هؤلاء الضباط من سبيل سوى الاعتصام بحبل الصبر
والراصد لأحوال هؤلاء الضباط لا تخفى عليه الاضرار الجسيمة التى حاقت بمعظمهم و بعائلاتهم وامتدت الى داخل المجتمع لتزرع فيه قدرا من المخاوف كانت لها آثارها السلبية على الطمأنينة العامة، فالمجتمع الذى اعتاد ان يرى فى هؤلاء الضباط ملاذه الآمن حينما تدهمه المخاطر وحينما تنتهك حقوقه وحرماته اصيب بالصدمة وهو يرى بأم عينه كيف تقلبت بهم الايام حتى صاروا الى ما صاروا اليه
وقد فطنت القوى الوطنية الحريصة على امن وسلامة هذا الوطن العزيز لخطورة هذه القضية وما يمكن ان يترتب عليها من تداعيات فأولتها اهمية متساوية مع قضايا الوطن الكبرى التى تقتضى حلا ناجعا وعاجلا الامر الذى ادى الى فتح بوابة عريضة للأمل جعلتهم يتمسكون اكثر بحبل الصبر، كما ان بعض القادة التأريخيين لقوات الشرطة انتبهوا فى وقت مبكر وادركوا العواقب الوخيمة المترتبة على اجراءات الفصل هذه ليس على صعيد الامن والطمأنينة العامة ولا على الصعيد الشخصى لهؤلاء الضباط فحسب وانما على صعيد المهنة نفسها التى هزت مآلات هؤلاء الضباط عقب الفصل كثيرا من مكانتها وهيبتها فسعى اولئك القادة بحسهم الوطنى والامنى العالى للحد من مخاطر هذا الوضع حتى تكللت مساعيهم بمولد اتحاد ضباط الشرطة المتقاعدين الذى شكل اطارا جديدا جامعا لهؤلاء الضباط ريثما يسود العدل والحق والانصاف
وقد ظلت هذه القضية تسعى على مدى عقد ونيف لدى حكومات الانقاذ باحثة عن الحق والعدل والانصاف الا ان ضمير السلطات المسئولة ظل غائبا تماما عن الاحساس بهذه الظلم الى ان اقر رئيس الجمهورية امام حشد جماهيرى بالظلم الذى صاحب اجراءات الفصل هذه ولكن استجابة جهازه التنفيذى كانت فى افضل الاحوال مجرد وعود اشبه بأعلان خجول لأبراء الذمة وليست وعودا جادة تسعى جاهدة لحلها الامر الذى ظل يراكم كثيرا من الغبن والغضب، وطيلة هذه الفترة نسيت او تناست ان الله يأمرنا اذا حكمنا بين الناس ان نحكم بالعدل ويأمرنا برد الحقوق الى اهلها ولكن تعاطيها مع هذه القضية انزلق بها الى راعية متفانية للظلم
هذا ما تبدو عليه قضية ضباط الشرطة المتقاعدين فى نظر الكثيرين ولكن هنالك وجه آخر للظلم الذى وقع عليهم كان اكثر بشاعة من اجراءات الفصل التى تمت ، تضرر منه هؤلاء الضباط اضافة للضباط الذين تقاعدوا وفقا لأجراءات طبيعية كبلوغ السن القانونية للتقاعد او الذين تقاعدوا وفقا لأستقالة طوعية (خلو طرف) او لأسباب صحية تتعلق بشرط اللياقة الطبية او وفقا لأجراءات ادارية اقتضاها القانون، فجميع هؤلاء الضباط واجهوا اجراءات شكلت فى مجملها اسوا انواع التمييز واعنى بها اجراءات فوائد ما بعد الخدمة
وكمثال لذلك فأننا اذا تناولنا حالة اربعة مجموعات من الضباط المتقاعدين فى رتبة المقدم شرطة وتصادف ان تأخرت اجراءات تسوية معاشاتهم الى العام 2005وكانت مؤهلاتهم العلمية ومدة خدمتهم وآخر فئة مرتب تقاضوها عند التقاعد متطابقة تماما الا ان تاريخ تقاعد المجموعة الاولى كان فى العام 1989 والثانية فى العام 1992والثالثة فى العام 1995والرابعة فى العام2005فعند تسوية معاشات هذه المجموعات المتطابقة فى كل شىء نجد ان مستحقات كل منهم تتفاوت بنسب جائرة تعكس ارقامها ان حقوق هؤلاء الضباط فى فوائد ما بعد الخدمة تحولت من حقوق اصيلة بنص القانون الى عطية مزيّن محمية بنص القانون
والسؤال الذى يفرض نفسه : ما هى المعايير الفنية والاخلاقية التى دفعت حكومات الانقاذ للتعامل مع قانون معاشات ضباط الشرطة بنهج انتج هذا التمييز السافر والظالم والمشين ؟ واذا سلمنا ان هذا التمييز السافر والظالم والمشين احد موروثات زمن الانقاذ الاغبر فما هى المعايير الاخلاقية التى دفعت حكوماتها اللاحقة والقائمة الآن للسكوت عنه حتى الآن؟
فى تقديرى واذا احسن المرء الظن بحكومات الانقاذ بأعتبار انها قامت باصدار تعديلات العام 1992 وقانون 1994 والتعديلات اللاحقة فى محاولة منها لتحسين الوضع المعاشى لضباط الشرطة الا ان المرء لا يملك ان يقول سوى انها اتبعت منهجا معتلا ومضطربا ومفتقدا لأى كفاءة فنية لذلك لم تنجح كافة هذه المحاولات فى بناء نظام معاشى عادل ومستقر لضباط الشرطة وكان سبب ذلك فى تقديرى انه منهج جهل او تجاهل ان الاسس التى تحكم وتحدد فوائد ما بعد الخدمة تستند على اربعة عوامل ذات قيمة مادية ثابتة فقيمة المؤهل العلمى ومجمل سنوات الخدمة والرتبة وفئة مرتب الرتبة فى العام ا1989 هى ذات القيمة فى العام ا2005 ولكن هذا المنهج رهن قيمتها المادية الثابتة لقيمتها النقدية فى تأريخ التقاعد وبالتالى اصبح تاريخ التقاعد هو المحدد الاساسى لقيمة فوائد ما بعد الخدمة فى حين ان وظيفته الاساسية هى تحديد مجمل سنوات الخدمة التى تعتبر العامل الرئيس فى تحديد قيمة هذه الفوائد وعلى هذا الاساس اصبحت فوائد ما بعد الخدمة التى كانت تحدد قيمتها وتدفع بموجب القانون مقابل الخدمة التى اداها الضابط لحكومة السودان اصبحت قيمة هذه الخدمة محددة بتأريخ التقاعد فالقيمة النقدية قيمة متحركة لأن المرتب الذى يعتبر احد العوامل الاساسية فى تحيد قيمة التسوية يتحرك متصاعدا بين حين وآخر لمقابلة تكاليف المعيشة لذلك لزم عند زيادة المرتبات ان تتبعها زيادة فى المعاشات بذات النسبة واكثر ما يدعو للغرابة هنا ان ثمة حالات تمت تسويتها على نطاق ضيق وفقا لهذا الاجراء الصحيح فلماذا حرم الضباط المتقاعدون من هذا الحق عند تعديلات 1992 وقانون 1994 والتعديلات اللاحقة ؟
اما السؤال الذى يبدو اكثر اهمية واكثر الحاحا هو: هل من الممكن ان تجد هذه القضية اذنا صاغية وعينا ساهرة وايد امينة قادرة على رفع هذا الظلم فالله قد حرم الظلم على نفسه ولا يرضاه لخلقه ؟

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

مشاركة مميزة

اسرار الخلاص

                    الأسئلة لا تستطيع ان تغطى مجاهيل هذى المخاضة ، لا جدوى من سؤال او اجابة فى حضرة ذاكرة محتلة بالعشق ، ذاكرة كل نوافذها...