الاثنين، 9 أغسطس 2010

ظل لا يموت ( الجزء الاول )

          الحرب التى تدور رحاها بين الحين والحين على الارض الفلسطينية تعكس على الشارع العربى والاسلامى - الرسمى منه والشعبى - مشهدا فاجعا يبدو مع الشعارات المتصادمة فيه والمليئة بالاتهامات المتبادلة تجسيدا حيا لأزمة هذه الامة التى فقدت نظامها التأريخى منذ زمان بعيد كما يعكس من جانب آخر وعيا ضعيفا بالمخاطر التى احاطت وما زالت تحيط بقضية فلسطين واكثر ما يؤلم هنا ان تصبح حالة العنف الواقعة على الانسان الفلسطينى فى جميع الاوقات التى تتفجر فيها الاوضاع هناك مناسبة مواتية لتصفية حسابات سياسية هنا بدلا من ان تصير مناسبة موجبة لمناصرته حتى صار هذا الوضع سمة ملازمة لحركة المواجهة العربية والاسلامية مع اسرائيل وهو وضع بقدر ما اقعد قدرات هذه الامة وعطلها عن خدمة صراعاتها بقدر ما ارخى ظلالا كثيفة من العتمة على طبيعة واطراف الصراع والمخاطر المحيطة به فالمرء تتجاذبه شعارات الحكام والشعوب المتصادمة فى داخلها ومع بعضها البعض والمليئة بجبهات مفتوحة على مصراعيها تبدأ مواجهاتها مع بيته وتنتهى مع امريكا وكل هذه المواجهات بجانب انها لا تخدم الانسان الفلسطينى فى محرقته تحت آلة الحرب الاسرائيلية المتطورة فهى تدور بعيدا عن جوهر الصراع الذى تبين ملامحه جلية من خلال ما انتجه القرار رقم 181 لسنة 1947 الصادر من الامم المتحدة والخاص بتقسيم فلسطين ولكى تبدو الصورة اكثر قربا فأن ابرز ما انتجه القرار على صعيد الامة العربية والاسلامية هو قيام موفقين متصادمين بين الرفض والقبول ومن خلال هذين الموقفين احاول تناول هذا القضية.
الموقف الاول:
الرفض العربى والاسلامى لقرار التقسيم وقيام دولة اسرائيل :
                وما يهمنى هنا التبعات التى ترتبت على هذا الموقف وعلاقة البعد الدولى بمنظومته وبمجرى الصراع منذ ذلك التأريخ وحتى يومنا هذا وهو امر على قدر عال من الصعوبة والتعقيد ولكن الواضح فيه ان الموقف العربى والاسلامى الرافض لقرار التقسيم وقيام دولة اسرائيل بكل ما صاحبه جاء كرد فعل مواز للصدمة التى احدثها القرار فى وجدان الامة العربية والاسلامية وتبدو لى هذه الصدمة مع ردة الفعل المصاحبة لها نتيجة مرجوة ضمن اهداف الاستراتيجية الموضوعة والمترتبة على قيام دولة اسرائيل. فالقرار فى احد وجوهه يبدو اختبارا قاهرا استهدف ضمن ما استهدف استكشاف مدى قدرة المنطقة العربية والاسلامية التى فقدت نظامها التأريخى وموعودة قريبا بالاستقلال على تقبل الامم المتحدة كمنظومة اتفق العالم الحر آنذاك شرقه وغربه على شرعية قراراتها التى تعنى بالامن والسلم الدوليين واستهدف من جانب آخر مدى قدرتها على تقبل قيادة هذه المنظمة ومن ضمنها ذات الدول التى خلفت جراحات غائرة بأستعمارها المنطقة ردحا طويلا من الزمن استوعبت خلاله كل خصائصها وخبرت كل خفاياها ودقائقها واقامت فيها قدرا هائلا من المصالح التى شكلت عصب حياتها ومصدر نهضتها ورفاهية شعوبها .
               وفى احد وجوهه وبمعطيات الواقع الراهن يبدو القرار بمثابة مصيدة بالغة التعقيد نصبت ونفذت بدقة متناهية جعلت المنطقة تنساق خلف متاهاتها من متاهة الى متاهة، فالموقف العربى والاسلامى الرافض لقرار التقسيم وقيام دولة اسرائيل اعتبر موقفا متحديا لقرارات الشرعية الدولية وبالتالى اعتبرت الدول والشعوب المتمسكة به مهددا اساسيا للسلم بالمنطقة ومهددا اساسيا للمصالح القائمة بها  ومهددا للنظام العالمى القائم ونتيجة لذلك فأن الدول الناهضة بهذه الشرعية وعلى وجه التحديد الدول الغربية الاوروبية على وجه خاص اصحاب اكبر المصالح القائمة بالمنطقة اتخذت من الموقف الرافض زريعة كافية وفرت لها سندا دوليا واخلاقيا لأتخاذ ما ما تشاء من تدابير لمواجتهه، ويبدو لى ان اولى تدابيرها هى قيامها باخضاع المنطقة العربية والاسلامية لأستراتيجية بعيدة المدى ومتعددة الازرع والاهداف ومن ضمن اهدافها الواضحة الحيلولة دون نهوض دول المنطقة مستقبلا سواء بالانفراد او بالاتحاد قوة اقليمية مثلما كانت فى تاريخها القديم فتحقيق هذا الهدف من شأنه ان يخدم لها عدة اغراض ومن ضمن اغراضها العاجلة آنذاك ان الدول التى استعمرت المنطقة واقامت فيها مصالحا كبرى وجدت نفسها محاطة بأخطر مأزق واجهها بعد الحرب العالمية الثانية، فقد كانت مطالبة اخلاقيا ان تفى بوعودها التى قطعتها لشعوب المنطقة والخاصة بمنح هذه الشعوب استقلالها نظير اسهاماتها الممهورة بارواح ودماء ابنائها فى انتصارات تلك الحرب ولأنها تدرك جيدا ان دول المنطقة التى كانت فى طريقها الى الاستقلال والتحرر لديها كل مقومات النهوض لتصبح قوة اقليمية نافذة ولديها زخيرة كافية من الثأرات تجعلها اكبر مهدد للمصالح القائمة بها والجارية عبرها فأن الحيلولة دون نهوضها قوة اقليمية هدف كفيل بدرء المخاطر المترتبة على الأيفاء بالوعود الخاصة بمنحها الاستقلال.
                ومن ناحية اخرى فان تحقيق هذا الهدف سيعمل على تدعيم واستقرار موازين القوة التى قامت بتأسيسها فى العالم فى اعقاب الحرب العالمية الثانية وفقا لترتيبات دقيقة استهدفت ضمن ما استهدفت الحيلولة دون وقوع الحرب فيما بينها نتيجة لتصادم المصالح ولأنها تدرك جيدا ان هذه المنطقة التى ظلت على مر العصور تشكل القاسم المشترك الاعظم فى حسابات اى مصالح قائمة او مرجوة فأن قيام قوة اقليمية بها يعنى دخول قاسم جديد على المصالح القائمة والمرجوة يقتضى قيام ترتيبات جديدة ستتصادم حتما مع ترتيبات المصالح القائمة بينهم مما يفتح الباب على مصراعيه لدخول شبح الحرب بينها من جديد ولتفادى هذا الخطر فأن الحيلولة دون نهوض المنطقة قوة اقليمية او نهوض قوة اقليمية بالمنطقة اصبح هدفا رئيسا يحتاج لزريعة كافية لتحقيقه فجاء قيام اسرائيل وما ترتب على قيامها ليشكل عمودها الفقرى ومن يومها احيطت المنطقة باستراتيجية مانعة لأى تدخل من شأنه ان يخل بسير المصالح القائمة بها والجارية عبرها ولا تدعى هذه المحاولة الالمام بهذه الاستراتيجية وان كانت ملامحها بائنة فى فشل المشاريع الوحدوية عربية كانت ام اسلامية ولكن احد اذرعها تجلى فى وقت مبكر متزامن مع مناخ الرفض الذى ساد آنذاك ، فقد اصيبت المنطقة بصدمة جديدة نازفة تمثلت فى صفقة الاسلحة الفاسدة التى خيبت آمال الشعوب العربية والاسلامية التى تدفقت لتحرير فلسطين فى 1948، فهذه الصفقة بكل الزوايا التى تصحبها فى نظرك تعكس صورة واضحة ترى فيها المنطقة قد خضعت لرقابة دقيقة استهدفت  سقف ونوعية تسليحها ويبدو للوهلة الاولى ان الغاية من ذلك هى حماية وترجيح كفة اسرائيل - وهى كذلك - لكن النظرة الفاحص ترى من وراء ذلك البعد المخفى من الصورة وهو ان الغاية من ذلك هى حماية وترجيح كفة الشرعية الدولية التى صنعت اسرائيل او بنظرة اكثر عمقا ان الغاية الاخيرة هى حماية المصالح القائمة بالمنطقة وظل هذا الذراع فاعلا منذ ذلك التاريخ والى يومنا هذا فقد شهدناه فى ضرب المفاعل النووى العراقى والمصنع الليبى ومصنع الشفاء السودانى بأعتبار ان هذه المنشئات بنيات قادرة على دفع المنطقة للنهوض قوة اقليمية مهددة للمصالح القائمة بها ويبدو جليا الآن فى الحراك الدائر حول ملف ايران النووى, ويبدو ان بعض العرب آنذاك انتبهوا فى وقت مبكر للقوة الكامنة خلف الشرعية الدولية مقارنة بحال وواقع هذه الامة الممزق والمحاصر فأكتشفوا المخاطر التى ترتبت على موقفهم الرافض فجاء تراجعهم سريعا عام 1949 حينما طالبوا الامم المتحدة بتنفيذ القرار 181 لسنة 1947 وابدو موافقتهم للتعاون فى تنفيذه - وهواتجاه اتخذ شكله الجماعى بعد نصف قرن من الزمان فى قمة بيروت-.
ولكن الرفض العربى والاسلامى مضى فى طريقه متمسكا بمبدا تحرير الارض دون ان ينتبه الى انه لا يشكل الا جزءا من الصراع بينما مكمن الصراع الحقيقى هو مجمل الثروات وعلى راسها النفط التى تزخر بها المنطقة بموقعها الاستراتيجى الفريد وهذا ما كان سببا فى قدوم الاستعمار بجيوشه وثقافاته ورساميله التى بنى بها مصالحا كبرى ادت الى التطور المذهل الذى يشهده العالم الغربى الآن, كما ان الرفض لم ينتبه الى ان الدول الواقفة خلف هذه المصالح القائمة بالمنطقة تدرك جيدا ما يمكن ان تفعله الثروة فى موازين القوة وتدرك جيدا معنى ان تترك هذه الثروات فى ايدى شعوب لم ينقطع حنينها لأستعادة ماضيها ابدا وهذا ما تعتبره الدول الناهضة بالشرعية الدولية المهدد الرئيسى ليس لمصالحها القائمة بالمنطقة فحسب وانما لمشروعها الكونى الذى قطع شوطا بعيدا خارج نطاق كوكبنا ويلحظ المرء هنا ان طاقاتها ظلت موجهة على الدوام لأن تخضع ادارة هذه الثروات وفقا لمعاييرها ومتطلباتها .
                 بناء على ما تقدم يأتى دور اسرائيل هنا كضامن او اختبار قاهر يعبر الاعتراف والقبول بها عن صدق ارادة المنطقة فى التسليم بمشروعية معايير ومتطلبات الدول الناهضة بهذه الشرعية او بمعنى آخر التسليم بمشروعية نظامها القائم او بمعنى ادق ان الاعتراف والقبول  باسرائيل بكل ابعادها يعنى ان هذه الامة قد طوت الى غير رجعة صفحات ماضيها بكل اشراقاته وجراحاته وثأراته ومن ضمنها صفحة الاستعمار ويعنى ان هذه الامة التى ظلت تقاوم اللحاق بركب النظام الغربى اصبحت قادرة الان على اللحاق به لأنها اصبحت قادرة على قبول الآخر دون تهديد لمحموله العرقى والدينى والاقتصادى والثقافى وهو الشرط المطلوب الذى يحقق الضمانة الكافية لحماية واستمرار المصالح القائمة وهو الشرط المطلوب الذى يتيح لهذه الامة ان تخطو خطوتها الاولى خارج دائرة الحصار المضروب عليها منذ سقوط نظامها التاريخى والى هنا يلحظ المرء بوضوح وجوه المشروع الكامن وراء قيام دولة اسرائيل وتبدو اهمية هذا المشروع العظمى لدول الشرعية الدولية جلية فى لحظات نهجها العنيف عند القيام بحمايته والدفاع عنه فقد شهدنا وشهد العالم بأثره جراتها المتناهية فى خرق كل النظم والقوانين والاعراف الدولية التى صاغتها بنفسها لحفظ الامن والسلم العالمى فكان العدوان الثلاثى فى اعقاب تاميم قناة السويس نموذجا لم ينقذ مصر من حرائقه سوى وجود الاتحاد السوفيتى قطبا ثانيا على راس النظام العالمى القائم آنذاك والموقف الامريكى من العدوان وشهدنا وشهد العالم الترتيبات التى ارتكزت على افغانستان بكل عنفها ودمائها ودمارها واستهدفت ضمن ما استهدفت المشروع الاسلامى الذى صعد فى اكثر صوره انكفاءا وتشددا فى رفضه للآخر وشهدنا وشهد العالم جحيم الاحتلال الذى خيّم على العراق بكل عنفه ودمائه ودماره واستهدف ضمن ما استهدف المشروع العروبى الطموح ولا يخفى على احد مغزى هذا الحريق فقد وضع الامة العربية والاسلامية امام محك اختبر فيه حراكها الاسلامى والعروبى وهى تشاهد بأم عينها وقلة حيلتها احتراق جناحى حلم استعادة مجد الدولة القديمة اللذين حلقا طويلا فى سماء العالم العربى والاسلامى وما يهمنى هنا ان الموقف العربى والاسلامى الرافض لقرار التقسيم وقيام دولة اسرائيل لم ينتبه لجوهر القرار ولا للمخاطر المحيطة به فاختزل الصراع فى قطعة ارض ومضى وهو مجرد من كل وسائل القوة يحارب فى ظل لا يموت بينما الفيل يرتع آمنا فى مراعيه الخصبة حتى صارت قوته هى القوة الغالبة فى العالم، فكان من الطبيعى ان تاتى هزائمه فى صراعه الطويل مع اسرائيل نتيجة لأصطدامه بهذه القوة الغالبة صاحبة المصالح القائمة بالمنطقة ومضى دون ان يلتفت لواقع هذه الامة الممزق والمحاصر منذ سقوط نظامها التاريخى فكان من الطبيعى ان تاتى هزائمه نتيجة لأصطدامه بهذا الواقع وبالفراغ الذى خلفه سقوط نظامه التاريخى ومضى دون ان ينتبه الى ان صراعات هذه الامة الاثنية والعرقية والمذهبية التى وقفت حاجزا دون الحفاظ على نظامه التاريخى ووقفت حاجزا دون استعادته ووقفت حاجزا دون بناء نظام جديد ينشل هذه الامة من وهدتها عادت تشكل فى واقعنا الراهن اكبر مهدد لشعوب المنطقة ولم تترك للعديد من نخبها من خيار سوى الاتكاء على النظام العالمى الذى صنع اسرائيل .
فهل نجح الموقف العربى والاسلامى الرافض لقرار التقسيم وقيام دولة اسرائيل فى خدمة القضية الفلسطينية وقضايا المنطقة؟
                 الثابت حتى الان انه لم يستطع ان يمنع قيام دولة اسرائيل ولم يستطع ان يحقق قيام دولة فلسطين وان الحروب التى خضناها وفقا له بدلا من ان تسترد الارض السليبة اوقعت اراض اخرى فى الاسر الاسرائيلى، سيناء وشرق القناة من مصر والجولان من سوريا اضافة للاراضى الفلسطينية التى كانت خاضعة للادارة المصرية والاردنية وهذه الاراضى (الضفة وغزة) التى كانت تحت السيادة العربية منذ قرار التقسيم وحتى فبيل حربى 1967 و1973 اصبحت المحور الرئيس لمطالب قضية فلسطين بكل ما يحمله من دلالات واسوا دلالاته انه كلما طال امد الصراع كلما سقطت من مطالبه مطالب كان مهرها ارواح ودماء عزيزة والفاجع هنا ان الدول العربية قطعت رحلة طويلة امتدت الى اكثر من نصف قرن من الزمان شهدت خلاله ما شهدت من دماء ودمار وتحملت خلاله ما تحملت من تكاليف الحروب كى تصل لقتاعة جماعية بوجوب تنفيذ القرار 181 لسنة1947 والخاص بتقسيم فلسطين وقيام دولة اسرائيل.
              والآن حين ينظر المرء الى سماء هذا الصراع الطويل القاتمة لا تسطع سوى حقيقة مرة تقول ان الرفض العربى والاسلامى لم يكن مستوفيا لشروط قيامه من يومه ذاك والى يومنا هذا لأنه بلا ادراك وبلا نظام وبلا قوة وهو بهذه الصفة لم يكن يمثل سوى حالة عاطفية زاخرة بالحنين الى ماضيها التليد ومحتشدة بأمل كاذب لأستعادته ودون ان يدرى انزلقت به الى متاهة من متاهات المصيدة المنصوبة بعناية ودقة متناهية واخذ يجوس فيها ردحا طويلا من الزمن الى ان خرج علينا اخيرا مخلوقا مرعبا يتنفس  ويتغذى على طفح جراحاته حتى التخمة لينفجر داخل امته وخارجها دما ودمارا مشكلا بذلك زريعة جديدة جعلت من المنطقة العربية والاسلامية طريدة دسمة.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

مشاركة مميزة

اسرار الخلاص

                    الأسئلة لا تستطيع ان تغطى مجاهيل هذى المخاضة ، لا جدوى من سؤال او اجابة فى حضرة ذاكرة محتلة بالعشق ، ذاكرة كل نوافذها...