الأربعاء، 20 نوفمبر 2013

وللمافيا نصيب مما يسرقون


                      اكثر ما يعجب المرء فى النظام الامريكى ، هو عملية الفحص التى يجريها الكونجرس الامريكى للمرشحين للمناصب السياسية ، خاصة تلك التى تمس سيادة ومصالح الدولة والمواطنين ، فهو نظام يثير حقا الاعجاب والاحترام لحرصه الصارم على تنقية مؤسسات الدولة وكوادرها من شبهات التصاقها بالفساد وعدم الكفاءة ، وحرصه الصارم على جودة ادائها فى كل ما يهم مصالح امريكا وشعبها ، وحرصه على سلامة ناتجها من اى تغوّل خارجى ، الى آخر ما يعكسه هذا الحرص من مزايا فاضلة لسلطة وصورة الدولة ، ولقد ظل يخطر ببالى هذا التقليد الراسخ فى السياسة الامريكية كلما تناولت وسائل الاعلام والمجالس قصص الفساد وضعف الاداء فى المرافق العامة فى بلادنا ودول العالم الثالث ، وكلما خطر ببالى ، كان يصيبنى مرة بالغضب ومرة بالحرقة ومرة بالسخرية وفى كل مرة بالغثيان جراء ما نعانيه من الفساد وانعدام الكفاءة ، لكنه فى النهاية يقتحم مخيلتى بسيناريو ارى مشاهده امام عينى حيّة بكل ما فيها من خزى وعار ملتصق بجبين ابناء بلدى وبلاد العالم الثالث الذين فاقت مرونتهم الاخلاقية اى تصوّر يمكن ان يلمسه دين او قانون .

                      واكثر ما يعزز فكرة ان يكون هذا السيناريو امرا محتملا ان لم يكن قائما بالفعل ، ان ثمة مؤسسات او منظمات او دوريات معنية بمتابعة شئون المال والاعمال كمجلة (فوربس) ظلّت تتحفنا بين الفينة والاخرى بتسريبات عن ارصدة مهولة لملوك وامراء و مسئولين كبار فى عالمنا الثالث بمختلف بنوك العالم ، وهى ارصدة يفترض ان تكون محمية بحكم قانون المصارف بسرية تامة ، ومحاطة بأجراءات عصيّة على الاختراق والتسريب ، ولكن نشرها على العلن فى كل مرة لم يعن لى شيئا سوى ان للمافيا جنود مصرفيون ايضا ، او بالاحرى للمافيا جنود اينما وجد المال واينما وجد رجال المال واينما وجد المسئولون الفاسدون ، بل فى الواقع للمافيا جنود فى كل منفذ ، وهى بهذه القدرة لا بد ان تكون على علم بمصادر هذه الاموال المنهوبة من بلدان العالم الثالث ، فقدرتها هذه بتأريخها المعلوم تجعلها ابا روحيّا لكل الاموال التى تندرج تحت دائرة انشطتها ، بدءا من السرقة وانتهاءا بالمتاجرة فى كل ما هو ممنوع ، اى ان لها من كل نشاط نصيب معلوم او من كل رصيد نصيب معلوم ، والذين يفلتون من اتاوتها هذه بحكم تواجدهم فى مواقع المسئولية المحمية بأعراف دبلوماسية وقانون دولى ، سينتظرهم يوم لا يقال فيه سوى (المال تلته ولا كتلته) .

                       الان لا يحتاج هذا السيناريو لتفاصيل لمعرفة مشاهده فالعنوان وما ورد اعلاه يبدو كافيا لفتح مخيلتك على كل الصور ، وكل الصور التى تبدو لك لا يجانبها الصواب كثيرا ، فالأمم المتحدة نفسها كانت قد ابانت فى احد تقاريرها المتعلق بالتنمية فى افريقيا ، ان تخصيص ما نسبته  25% من اعتمادات اى مشروع انمائى توجه للمسئولين الفاسدين يعد احد محفزات نجاح ذاك المشروع ، وانا احترم واقعية الامم المتحدة هذه واطالب بتقنين الفساد وذلك بمنح المسئولين من اصحاب المرونة الاخلاقية العالية شرعية فساد شريطة ألا تتجاوز نسبته من اعتمادات اى ميزانية تحت سلطتهم نسبة ال 25 % وله ان يودعها ببنوكنا المحليّة وبالعملة الصعبة كمان ، فنحن اولى من المافيا بأموالنا .

                      

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

مشاركة مميزة

اسرار الخلاص

                    الأسئلة لا تستطيع ان تغطى مجاهيل هذى المخاضة ، لا جدوى من سؤال او اجابة فى حضرة ذاكرة محتلة بالعشق ، ذاكرة كل نوافذها...