الأحد، 17 نوفمبر 2013

ملمح سودانى غامض


                فى 30 يونيو 1989 قام افراد القوة المشاركة فى الانقلاب والمرتكزة امام كبرى امدرمان بزراعة شتلات اشجار(النيم) و(دقن الباشا) حول موقع ارتكازهم ، والقول الذى شاع عنهم ، انهم باقون هنا الى ان تصير هذه الشتلات ظلا دائما لهم ، والشتلات الآن صارت دغلا صغيرا يوزع فى ظله عليهم شرقا وغربا وبالكاد ترى من خلاله مدرعاتهم التى اتخذت موقعها هناك فى ساعة الصفر .

                          بعدها صعد الاسلاميون بزعامة الجبهة الاسلامية سابقا باناشيد واقوال من بينها القول المشهور (لن نسلمها الا لعيسى) ، وشهدنا ابتداءا من عقد التسعينات ، ضروبا من القمع والانتهاكات والتشريد لم يشهد السودان مثيلا لها من قبل ، وكان الاسلاميون حينها يقفون بكل انفة على رأس المشهد السياسى ، الاسلاميون بأطيافهم ، السابقون بقيادة الدكتور الترابى ، واللاحقون مؤخرا بقيادة الدكتور غازى صلاح الدين ، والواقفون الآن بين بين ، يدغدغون فى مشاعر الشعب السودانى بأحاديث الاكتاف التى يعلمون جيدا كيفية نتف لحمها حتى العظام ، نستثنى منهم رجالا محترمين كان موقفهم منذ البدء جليا فى انحيازهم للحق والعدل والحريات ، امثال الدكتور حسن مكى والدكتور الطيب زين العابدين والدكتور عبد الوهاب الافندى ، وربما ثلة اخرى بعيدة عن دائرة الضوء .
                           قرابة ربع قرن من الزمان والقوى السياسية الاخرى فى السودان تصارع فى نظام الانقاذ الذى دمغته بوليد الجبهة الاسلامية ، واصطفت فى اكثر من تشكيل مستهدفة القضاء عليه ، فشارك منهم من شارك الانقاذ لهذا الهدف ، واختلفت مستويات مشاركة بعضهم ، واكتفى بعضهم من غنيمة الاتفاقيات المبرمة بالاياب ، والاسلاميون الآن بات اكثرهم فى العراء بلا تغطية من السلطة التى طالما التحفوا بها فى غدوهم ورواحهم ، والمتبقى منهم فى مقاعد السلطة لا يزيد او يقل عن الآخرين المشاركين فيها , ومع ذلك لا يزال خطاب القوى الاخرى فى معظمه متمسك بصيغته الاولى ، بينما الاسلاميون الذين خرجوا من السلطة اخذوا يحتلون فى مقاعد المعارضة خطوة خطوة بذات الاسلوب الذى احتلوا به من قبل مقاعد السلطة حتى صاروا الآن صوت المعارضة العالى ، فى مشهد يبعث على الحيرة ويثير شهية البحث عن ملامح لصفقة خروج آمن مختبئة خلف هذا التحوّل الدرامى .

                           الحركات المسلحة تسير فى تقديرى على خطى الحركة الشعبية الأم ، وتحلم بجغرافيا جديدة يرفرف فيها اكثر من علم ، وليس ذلك ببعيد فى ظل اوضاعنا المثيرة للشفقة وفى ظل اوضاع الاقليم المضطربة والتى مدت كثيرا من اصابعها الى الداخل ، وفى ظل اوضاع العالم النهم المتأزم ماليا واقتصاديا والذى ظل يحلم بخريطة جديدة للمنطقة بأثرها تتيح انقساماتها له مزيدا من قسمة الثروة .

                            كل هذا الحراك الذى دار والدائر الآن فى قلب الحالة السودانية ، لا ثابت فيه سوى ساعة صفر انقلاب 30 يونيو 1989 التى نشاهدها عيانا بيانا فى مواقع ارتكاز قواتها ، وهى الساعة التى ادت لها معظم القوى السياسية التحية ولعبت فى ظلها بما فى ذلك معظم الحركات المسلحة ، ألا يشى هذا الملمح الغامض فى السياسة السودانية ان ساعة الصفر دائما ما هى الا انعكاسا لأزمة مستفحلة داخل قوى المجتمع السودانى ايّا كانت واينما كانت ؟ فعلى اى الميادين يحتاج هذا الوطن ان يدير عقله وقلبه ليخرج من هذه الازمة المتطاولة والمهددة لبقائه ؟

                              الخطوة الاولى للحل تبدأ بتحديد ميدان الازمة وهو بأى حال من الاحوال ليس الجيش ، فالجيش مهما تكاثف وجوده فى الشارع ، فأن امرا لا تحتاج صياغته لأكثر من كلمتين يكفى لكى يعود فورا الى ثكناته .
                             

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

مشاركة مميزة

اسرار الخلاص

                    الأسئلة لا تستطيع ان تغطى مجاهيل هذى المخاضة ، لا جدوى من سؤال او اجابة فى حضرة ذاكرة محتلة بالعشق ، ذاكرة كل نوافذها...