الأربعاء، 9 يناير 2013

مراعاة فروق الفجر


                        المجتمع الدولى والاقليمى ظل منشغلا منذ انفصال جنوب السودان وتحوّله الى دولة معترف بها ، بترتيب الاوضاع بين الدولتين لضمان استقرار الدولة الوليدة وابعاد شبح الحرب الذى خيّم على اراضيها عقودا عدة ، وفى الوقت الذى نشطت فيه المفاوضات بين الجانبين برعاية اقليمية وتوصلّت اخيرا على اتفاق جديد يقضى بتطبيق الاتفاقات الموقعة بينهما بدون شروط !، فاجأت قوى المعارضة الممثلة فى الجبهة الثورية (الحركات المسلحة) وقوى شمالية عدة بأصدار ميثاق الفجر الجديد الذى يهدف الى اسقاط النظام وفقا لبرنامج  ملتبس يثير كثيرا من الأسئلة وكثيرا من المخاوف ايضا على ما سيصبح عليه المشهد فى السودان فى ظل اصطحاب العنف المسلح ضمن وسائل اسقاط النظام ، ليضاف هذا المشهد الى المشاهد القبيحة التى اثارت غضب العالم فى كل من سوريا واليمن وليبيا .

                        وبعيدا عن صواب هذا التحرك فى مواجهة حكومة المؤتمر الوطنى من عدمه ، وبغض النظر عن القناعات الرافضة لسياسات السلطة فى السودان والرافضة للطريقة التى تدير بها شئون البلاد ، بغض النظر عن كل ذلك وغيره ، فأن ميثاق الفجر الجديد الذى صدر فى هذا التوقيت يبدو فى احد وجوهه محاولة لتحدى ارادة القوى الاقليمية والدولية المجتهدة فى الوصول بعلاقات البلدين الى اوضاع سلمية مستقرة تتيح لهما تبادل المنافع التى تخدم دولتيهما وشعبيهما اللذين انهكتهما الحروب الطويلة وخصمت كثيرا من تطلعاتهما وآمالهما فى حياة افضل ، هذا من ناحية توقيت الميثاق فى النظر الاقليمى والدولى المنخرط فى معالجة قضايا البلدين .

                       من ناحية ثانية ، فأن هذا التحرك يمكن النظر اليه فى ظل القرارات الدولية المنذرة بالكثير الخطر كمحفز لحكومة السودان للأسراع بتطبيق الاتفاقيات الموقعة بينها ودولة الجنوب حتى وان جاء هذا التطبيق خصما على الكثير من مصالحها وحقوقها ، وفى هذه الحالة فأن المجموعة الموقعة على هذا الميثاق تبدو اقرب الى اداة ضغط فى يد خفية لها اجندة معادية للسودان بغض النظر عن نوع الحكم القائم فيه وبغض النظر عن سياساته الراهنة على المستوى الداخلى والخارجى ، لأن اى اتفاق يتم بين الدولتين تحت ضمانات اقليمية ودولية ، سيظل نافذا حتى لو استلمت قوى ميثاق الفجر الجديد السلطة فى السودان واكتشفت لاحقا انتهاك هذه الاتفاقات لمصالح وحقوق اصيلة ، فعندها لن تستطيع ان تغيّر فيه بندا من بنوده نالت بموجبه حكومة الجنوب مكاسبا مهما بلغت العلاقات بينهما من التوافق والانسجام ، لهذا فأن توقيت صدور الميثاق يعكس اعلاء مصالح القائمين عليه فى الحصول على السلطة على مصالح الدولة .

                       والمفارقة التى تدعو الى الشفقة والرثاء على حال المعارضة التى هللت لهذا الاتفاق ، انها اختارت من بين كل الخيارات التى مر بها الوطن فى الصراعات التى دارت حول السلطة ، خيار العمل المسلح رغم تجاربه الفاشلة خلال النصف الثانى من القرن الفائت ، بينما تجاهلت اعظم تجاربه الناجحة التى سبقت شعوب المنطقة بأثرها والمتمثلة فى عظمة توحده السلمى فى مواجهة الانظمة القائمة خلال ثورتى اكتوبر 1964وابريل 1985 ، لذا كان موقف القوى الرئيسة -التى خبرت جدوى الخيار السلمى - من هذا الميثاق يطغى عليه التحفظ من اغلبها رغم ترحيبها بوحدة المعارضة ، وكفت بذلك السلطة الحاكمة عبء الرد عليه ، مما يشى بقصور النظر السياسى للذين وقفوا خلف الميثاق بخياره المسلح .

                     العمل المسلح مهدد كبير لكيان الدولة ، وافضل نتائجه اذا انهارت الدولة ، هو ان يحيل  قادة العمل السياسى فى ظل الحالة السياسية بتقاطعاتها الحادة التى نعيشها ، الى امراء حرب ، ويحيل الوطن الى معسكرات نزوح ، ويدفع الكثيرين من ابناء الشعب السودانى ان يردد وراء محمود درويش ( لا يأتينى الكابوس من الليل بل من فجر فاجر ) .
                    

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

مشاركة مميزة

اسرار الخلاص

                    الأسئلة لا تستطيع ان تغطى مجاهيل هذى المخاضة ، لا جدوى من سؤال او اجابة فى حضرة ذاكرة محتلة بالعشق ، ذاكرة كل نوافذها...