الجمعة، 11 يناير 2013

كلام سرى


                       (سرى) هذا يقول الكلام الذى لا يَسمع ولا يَقرأ و لا يَكتب ، ولكنه الكلام الذى يدور فى ذهنك مثل الطواحين ، يدفعك احيانا ان تضحك وانت ماشيا وحدك فى الطريق ، او ان تغضب الى حد التلويح بعصاتك استعدادا لتوجيه ضربة موجعة لأنسان خرج فجأة  من ذاكرتك متلفعا بالقبح والدمامة ووقف على بعد خطوات منك ، او ان تزفر انفاسك مثل (عادم) سيارة خربة من شدة الألم والحسرة  على سلوك كريه ، فما الذى قاله (سرى) واراح ذهنه وذهن غيره من دوران الطواحين ؟.

                       (اول مرة التقيت بها ، اصابنى الهلع والذهول ، كان الثوب منحسرا عن رأسها فرأيت شعرا عبارة عن سلك شايك مصبوغ بالاسود ، تبكى كل امشاط العالم جزعا اذا اقتربت منه ، لا يجدى معه شيئا سوى مكواة حامية يتمنى المرء ان تنزلق من يد حاملها لتشوى وجها تتخذ ملامحه حينا صورة (الكدروك) وحينا آخرا قرد الطلح بعينه ) عذرا (سرى) ، لن اقف كثيرا عند هذا الوصف ، فهذه الايام تمور بأمراض العرق وقد يتخذ الوصف منحى يصرف النظر عن جوهر الموضوع ، ولكن قد اشاركك الانتباه فيما يلى . (فالصورة مرعبة للغاية ، والاكثر رعبا منها ، ركبتين حين تجلس يمتدان منها مثل (مرقين) اعتاد الناس مشاهدتهما فى سقوف بيوت ام درمان القديمة ، وتذكرك حين تمشى بأحد (باكات) الفرق الافريقية التى نازلت فريق الهلال يوما ، والانكأ من ذلك انها حين تحاول ان تتلاطف فى مشيتها تبدو بالضبط احد (العيالاتية) الذين اعتادوا التسكع امام شبابيك (الترسو) فى سينما (ام درمان) و(الوطنية) وسينمات مدن السودان الاخرى ، وللتنبيه فقط ، لم اقصد هنا سخرية من خلق الله وبالطبع ليس فيه شماتة فليس فى القبح شماتة وانما اقتضت الضرورة هذا الوصف لأنه يعبّر عن داخل اكثر قبحا منه ،) وسأكتفى هنا بهذا القول من (سرى) لأسرد عليكم بقية القصة بأختصار .

                        تصوّروا ان هذا الكائن (الخلاقة) قدم نفسه بلا حياء وبكل تجرد من خلق ودين ، مصلحا اجتماعيا افضل معاييره لتوصيف الأنسان الصالح ، هو الثراء ، بمعنى آخر فصلت الاخلاق والقيم عن الثراء ، ليستوى بهذا المعيار اثرياء اشرار الناس بمالهم الخبيث بأطهار الناس رغما عن مالهم الطيّب ، يعنى ان تكون ذا خلق ودين وعلم ، وسليل اسرة عريقة يسندها تأريخ يعرفه الذين ضربت اصولهم بجذور عميقة فى تربة هذا الوطن ، ان تكون كل ذلك ولا تسوى بمعايير هذه المخلوقة سوى مجرد هامش اجتماعى لا علاقة لك بمجتمع قائم منذ مئات السنين بذل فيه آباؤك ما بذلوا من جهد ودماء وارواح واموال ليستقيم على وجه البسيطة مجتمعا انسانيا مفعما بالاخلاق والقيم النبيلة التى اتاحت حتى للمنبتين المنفلتين عبر الحدود ان يبنوا حياة  كريمة آمنة لم يحلموا بها فى يوم من الايام  دفعت بعضهم للتنكر حتى لأصولهم ويحاول بعض آخر الآن ان يلغى كل هذا التأريخ ليصبح معيار الثراء هو السيّد ، بمعنى آخر لا يهم  ماهيّة اصول ثرائك فثمة داعية اجتماعية هنا ستحمى اصول اموالك حتى لو كان مصدرها غسيل قذر او حرام بيّن ، ولن يثنيها فى سبيل ذلك ان تركّب لحية يهودى شكسبير فى (تاجر البندقية) وتشذبها على حنكها الذى يشبه (دبشك) بنادق الحرب العالمية الثانية ، لتنتزع من تأريخك كل اشراقاته النبيلة ، وتعيش بعد ذلك فى قلب المدينة التى اسسها اباؤك هامشا عريضا .

                       فهل يا ترى ستفهم هذه المخلوقة بما تحمله من ركام الغباء والجهل ، ان المجتمعات (خشوم بيوت) وان مجتمع ام درمان له معاييره الخاصة فى توصيف الانسان الصالح ،اختصرها عقل هذه المدينة الواعى فى عبارة بسيطة اختزلت داخلها انبل القيم والاخلاق التى عبّرت بصدق عن  ديننا وما نادى به وهى ( انسان مستور الحال او اسرة مستورة الحال او عائلة مستورة الحال ) انها سترة الحال التى تمنع صاحبها ان يغتاب الآخرين ويرميهم بالباطل وبما ليس فيهم ، ويلصق بهم احلامه وتطلعاته المريضة تماما مثلما يلتصق بمناحى طمعه مثل القراد ، انها سترة الحال التى تكفى بناتها وابناءها ان تحيا فى ظل اوضاعها الاقتصادية والاجتماعية راضية مرضية وتدخل بها دنيا الله بسلام ، واثقة من جمال روحها ونفسها وعقلها ، ومن طهر نواياها ومقاصدها ومسنودة بتأريخ محتشد بمجد الانسان السودانى ونبله ، ولا كبير لديها الا الله .

                       فيا ايتها الدكتورة الاستاذة الجامعية المصلحة الاجتماعية ، هذه هى قيمنا واخلاقنا التى استمديناها من ديننا ، فما هو دينك ودين امك ودين ابوك ، الذى خرج علينا بهذا المعيار .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

مشاركة مميزة

اسرار الخلاص

                    الأسئلة لا تستطيع ان تغطى مجاهيل هذى المخاضة ، لا جدوى من سؤال او اجابة فى حضرة ذاكرة محتلة بالعشق ، ذاكرة كل نوافذها...