الأحد، 20 يناير 2013

حروب خط الصدع


                      افريقيا فى العقل الغربى  منذ بواكير الحملة الاستعمارية ، هى افريقيا شمال الصحراء وافريقيا جنوب الصحراء ، والخط الذى يحدد هذا التقسيم والمدعو بخط التماس الأثنى والعرقى ، يمتد من جنوب موريتانيا الى جنوب شرق السودان مع الحدود الحبشية ، وهو الخط الفاصل للثقافة العربية الاسلامية وثقافات افريقيا جنوب الصحراء ، واصبح هذا الخط فى ظل صراعات اليوم يمثل خط الصدع الاطول فى خريطة العالم ، والحرب الدائرة فى مالى الآن هى جزء من حروب خط الصدع هذا ، تماما كتلك القائمة فى السودان والمنتظر قيامها على طول هذا الخط .

                       وحسب تعريف (هنتجتون) فى كتابه (صراع الحضارات واعادة بناء النظام الدولى) فأن لهذه الحروب بعض وليس كل خصائص الحروب الطائفية بعامتها ، وتتضمن قضايا جوهرية لهوية وقوة الجماعة ، وان الغالبية العظمى من نزاعات خط الصدع وقعت على طول التخوم التى تلتف حول اوراسيا وافريقيا التى تفصل المسلمين عن غيرهم ، ويمكن للمهتمين مراجعة الفصل العاشر وما بعده فى طبعة دار الأمل للنشر والتوزيع ، الطبعة الاولى 2006 ، ففيه تفاصيل اوفى وعلى قدر كبير من الاهمية .

                      ليس من الحصافة فى تقديرى ان يظن المرء ان الحرب الدائرة فى مالى الآن وتقودها فرنسا ومن هم ورائها ، قاصرة على تلك الارض القاحلة فى شمال مالى آخر محاضن الصحراء الكبرى ، ولكنها ستمتد على طول امتداد هذه الصحراء جنوب دول المغرب العربى وشمال افريقيا بما فى ذلك السودان ، لسبب بسيط يحدده موقف كل دولة من هذه الدول التى تشكل الصحراء الكبرى جزءا من اراضيها، من طرفى الحرب الدائرة فى مالى ، وواقعة منشأة الغاز والنفط الجزائرية بالامس القريب خير شاهد على ذلك .

                     فتح الاجواء الجزائرية للطيران الحربى الفرنسى ، نقل جزءا من ارض المعركة الى داخل اراضيها ، واقحم الجيش الجزائرى فى حرب هى بكل الزوايا التى تسطحبها فى نظرك احدى حروب خط الصدع الواقعة فى تخوم اسلامية ، وان مقتل عناصرها من المسلمين ، سيجعل الروح تدب فى ايام تسعينات القرن الماضى لتنهض من جديد وتضيف الجزائر الى قائمة دول فوضى الربيع العربى ، ولأن حروب خط الصدع عادة ما تمتد امدا طويلا ، فقد جاء تصريح (هولاند) بان فرنسا ستبقى فى مالى الى الوقت الذى تتطلبه نهاية الحرب - بأنتصارهم طبعا- فأن هذا الوقت الذى ستبقى فيه فرنسا بمالى سيكون جحيم الجزائر القادم .

                     يقول هنتجتون ( ألا ان الفرنسيين هم ذوى عنصرية ثقافية اكثر من كونهم عنصريين عرقيا بأى معنى دقيق ، فلقد قبلوا الافارقة السود الذين يتكلمون الفرنسية بطلاقة فى هيئتهم التشريعية لكنهم لا يقبلون الفتيات المسلمات اللواتى يرتدين لفاع الرأس فى مدارسهم) والحرب فى مالى ستكون اعمق تعبيرا على هذه العنصرية الثقافية التى ستستدعى ليس على الجزائر فحسب وانما بقية دول المغرب العربى وشمال افريقيا ومن ضمنهم السودان غضبة شعوب هذه الدول اضافة الى كتلة المغاربة المهاجرين بفرنسا والذين ذاقوا مرارة هذه العنصرية الثقافية ، وعلى ذلك ليس بعيدا على كل ذى عقل تصديق تهديدات زعماء المتشددين الاسلاميين الذين يخوضون الحرب فى مالى بقدرتهم على نقلها الى قلب فرنسا .

                    المسلمون فى مشارق الارض ومغاربها فى حاجة الى نبذ هذه التقسيمات المذهبية والفكرية والوصول سريعا الى صيغة جامعة تمكنهم اولا من التعايش مع بعضهم البعض ليتمكنوا من التعايش مع الآخرين ، فقد صاروا بمختلف انتماءاتهم المذهبية والفكرية هدفا اوحدا تقريبا فى عصرنا الراهن ، فكل البلاد الاسلامية الآن اما خائضة فى عنف مفرط او مهددة به ، او مهددة بأستهداف خارجى ،

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

مشاركة مميزة

اسرار الخلاص

                    الأسئلة لا تستطيع ان تغطى مجاهيل هذى المخاضة ، لا جدوى من سؤال او اجابة فى حضرة ذاكرة محتلة بالعشق ، ذاكرة كل نوافذها...