الأربعاء، 23 يناير 2013

ثقافة حروب خط الصدع


                       تبدو ثقافة حروب خط الصدع ثقافة متحركة حسب مقتضى الحال ، فمن حرب على الهوية والعرق الى حرب دينية ، تجتذب الى ساحتها شتات من الجماعات ، دوافعها مختلفة عن اطرافها الاصليين ، ولكن الحرب فى ذات نفسها تصبح حقلا طيبا لتصفية حسابات فيما بين الاطراف ، او ربما لأغتنام مصالح ستنتجها مجريات الحرب وخواتيمها ، تماما مثلما ما يجرى الآن فى (مالى) ، فما يدعو للحيرة والتسآؤل حقا ان تنخرط فى هذه الحرب دولتان عضوتان دائمتان فى مجلس الأمن مثل فرنسا وبريطانيا التى تتأهب الآن للمشاركة ، دون ان تكلف اىّ منهما نفسها للحصول على قرار من المجلس يضفى على تدخلهما شيئا من الشرعية ، ويتيح للدول الافريقية التى تستعد الآن للمشاركة مخرجا اخلاقيا يبعدها من شبهة موالات مستعمرتها السابقة فى الحق والباطل ويبعدهم جميعا من شبهة ما وراء هذا الحشد الكبير المتأهب لمواجهة اقليّة متطرفة .

                       وبالرغم من ان الحرب فى بدايتها كانت بين طرفين اسلاميين ، احدهما اوغل فى تشدده الى حد الشطط ، بحيث تجاوز كثيرا من نواهى الدين فى قتل النفس التى حرّم الله الا بالحق ، وعاث خرابا ودمارا فى كريم معتقدات الكثرة من المسلمين ، واستدعى بافعاله هذه جيوشا من كل حدب وصوب لمحاربته كهدف ظاهر ومعلن ، الا ان هذه الثقافة العدوانية التى انتهجها فى (مالى) والواقع الغريب المعقد الذى انتجته سريعا على الارض واشعل من المخاوف الكثير على سلامة سيادة مالى ووحدتها حاضرا ومستقبلا ، يثير من التسآؤلات والشكوك حول اهداف ومرامى هذا المشهد الفجائى الذى غطى ارض مالى بكل تسامحها التأريخى المعروف بعنف مصحوب بأحدث التقنيات ؟

                         فى التاريخ المعاصر تتشابه حالة (مالى) مع كثير من الحالات التى شهدها العالم شرقا وغربا ، فى فجاءتها وعنفها وتعدياتها المستفزة والمؤذية لوجدان الكثيرين ، ولكن اغرب ما فيها ، انها تأتى مصحوبة ايضا بعنف لفظى لا يتصور المرء انه سيصدر من اعلى المستويات فى السلطة الحاكمة ، مما يؤكد ان حروب خط الصدع بالرغم من رؤيتها فى النظر العام كحروب صغيرة فى مواجهة اقليّات الا ان ابعادها تبدو على مستوى عالى من التهديد ، اعلى مما هو منظور فى حجم طرفها المبادر بالقتال او الحرب ، فالسطور الآتية بعنفها اللفظى الذى صاحب عددا من الحالات المشابهة لحالة (مالى) تدعونا لأخذ هذا العنف اللفظى مأخذا جديا بأن اندلاع الحرب على خط الصدع ، تعنى فى كواليس السياسة الدولية العصيّة على الرأى العام ، رسائلا تحوى مخاطرا مفزعة  ومهددة  لوحدة وسلامة الدولة وللقابضين على مفاصل السلطة فيها ، لذا يواجهها الرؤساء بعنف لفظى مفاجىء ومحيّر على النحو التالى :-
                      
                         ( يتحدث يلتسين مشيرا الى المجموعات التى تخوض حرب عصابات ضد روسيا -يقصد الشيشان- فيقول " هذه الكلاب المسعورة يجب ان تقتل رميا بالرصاص " ويتحدث احد الجنرالات الاندونيسيين تراى سوتر سنو فى اشارة للمجزرة التى نزلت بالتيموريين الشرقيين فى سنة 1991 قائلا " ان هؤلاء الناس السيؤو الخلق يجب ان يطلق عليهم الرصاص ليموتوا ..... وسنطلق عليهم الرصاص " ) . بين القوسين منقول من - صراع الحضارات واعادة بناء النظام العالمى لهنتجتون طبعة دار الامل الطبعة الاولى 2006 ص 392 - .

                          فالحرب فى مالى وعلى طول خط الصدع تدعو للنظر اليها فى اطار (اعادة بناء النظام العالمى) اى فى اطار اعادة رسم خريطة العالم ، التى شهدنا احد فصولها فى السودان بقيام دولة جنوب السودان ، ولا ندرى كم تبقى لنا من فصل لتكتمل خريطة هذا الجزء من العالم ؟

                           

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

مشاركة مميزة

اسرار الخلاص

                    الأسئلة لا تستطيع ان تغطى مجاهيل هذى المخاضة ، لا جدوى من سؤال او اجابة فى حضرة ذاكرة محتلة بالعشق ، ذاكرة كل نوافذها...