السبت، 26 نوفمبر 2011

شهادة ابن هشام


                 ابن هشام هو ابو محمد عبد الملك بن هشام بن ايوب الحميرى المعافرى ، والمعافر قبيل من اليمن كبير ، نشأ بالبصرة وتلقى العلم فيها وكان اشتغاله بالمغازى والسيّر ، ومن مؤلفاته ، كتاب التيجان فى ملوك حمير ، وتوفى فى مصر سنة 213 هجرية حسب ما ورد عند السهيلى وابن كثير .

                 وفى الطبعة الثالثة للسيرة النبوية لأبن هشام (1431 ه - 2010 م دار الفجر للتراث _ القاهرة ) جاء فى ص 8 ما يلى :
( قال ابن هشام : وانا ، انشاء الله مبتدىء هذا الكتاب بذكر اسماعيل بن ابراهيم من ولد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من ولده ، واولادهم لأصلابهم ، الأول فالأول من اسماعيل الى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، وما يعرض من حديثهم ، وتارك بعض ما ذكره غيرهم من ولد اسماعيل من هذه الجهة للأختصار الى سيرة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، وتارك ما ذكره ابن اسحق فى هذا الكتاب مما ليس لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فيه ذكر ، ولا نزل فيه من القرآن شىء ، وليس سببا لشىء من هذا الكتاب ، ولا تفسيرا له ، ولا شاهدا عليه ، لما ذكرت من الأختصار ، واشعارا ذكرها لم ار احدا من اهل العلم بالشعر يعرفها ، واشياء بعضها يشنع الحديث به ، وبعض يسوء بعض الناس ذكره ، وبعض لم يقر لنا البكائى بروايته ، ومستقص انشاء الله تعالى ما سوى ذلك منه بمبلغ الرواية به والعلم به .) انتهى .

                   هذا هو المنهج الذى اعتمده الشيخ الجليل ابن هشام فى كتابته للسيرة النبوية نقلا عن ابن اسحق ، ولأن ابن هشام مجبول بالصدق والأمانة ، بدا حريصا من خلال تقديمه اعلاه ان يحيط القارىء علما ، بان الأختصار والتحقيق كمشروع رئيس فى اعادة كتابة السيرة النبوية ، لم يكن وحده الهدف القائم فى كتابتها وانما ايضا اسقاط بعض ما ورد بسيرة ابن اسحق بيّنها بكل جلاء فى الآتى :

                   1-اشياء بعضها يشنع الحديث به .
                   2- اشياء يسوء بعض الناس ذكرها .
                   3- اشياء لم يقر (البكائى) له بروايتها .
              
                  لاشك ان ثقافة ومعرفة ذلك الزمان التى شكّلت رؤية جماعة من الناس للسيرة النبوية ، هى التى املت على ابن هشام ان يسقط من السيرة الأشياء المشار اليها اعلاه ، ولا تثريب عليه اذ يكفى حرصه على ذكرها دلالة على تبرئة ساحته من اى غرض ، ولكن هذا النهج صار ثقافة راسخة فى تناول السيرة النبوية و تراثنا الاسلامى بحيث لم يسلم ابن هشام نفسه منه ، فثمة كتاب صادر بعنوان (تهذيب سيرة ابن هشام) لكاتبه عبد السلام هارون ، هذا بالاضافة الى سلسلة من كتب السيرة يعود بعض كتابها لعصرنا الراهن ، فما هو سر هذا الشغف الغريب  تجاه اعادة انتاج تراثنا الاسلامى ليتلاءم مع رؤى ورؤيات جماعة من الناس تفصل عصرهم عن وقائع ذلك التراث قرون طويلة ؟ وما مدى اتساع عمليات اعادة الانتاج هذه ؟.

                 يبدو لى ان تراثنا فى حاجة الى اجتهاد فرق من الباحثين لأخراجه على صورته الأولى التى خرج بها من قبل ، وفى حاجة الى علماء للوصول الى سر هذه العقلية التى لا ترى استقامة دينها على مر العصور الا اذا تمّ تحوير تراثه واعادة تشكيله لتتلاءم مع حدود ثقافتها ومعرفتها ، وسر احجامها عن طرح ارآئها فيه بدلا من التستر وراء هذا النهج  ، ولأبن هشام الشكر والأجلال على هذه الشهادة الناصعة .

هناك 4 تعليقات:

مشاركة مميزة

اسرار الخلاص

                    الأسئلة لا تستطيع ان تغطى مجاهيل هذى المخاضة ، لا جدوى من سؤال او اجابة فى حضرة ذاكرة محتلة بالعشق ، ذاكرة كل نوافذها...