السبت، 19 نوفمبر 2011

جسد علياء العارى


                علياء المهدى مدونة مصرية يافعة ، انحصر اهتمامها على تشجيع الحملات المكافحة للأنتهاكات الواقعة على الاطفال ، ومكافحة القمع الواقع على المرأة من قبل منظومة ثلاثية الابعاد رأتها قائمة فى البيت وفى المؤسسات التعليمية وفى الشارع ، ولها مواقف مناهضة لظاهرة التحرش بالمرأة التى شهدتها مصر قبل الثورة وكادت ان تصبح ثقافة راسخة فى الشارع المصرى ، وكانت ضمن المؤآزرين للدكتور سيّد القمنى فى سجالاته الدينية التى دارت بينه وبين التيارات المحافظة ، ومن ضمن المنادين بأطلاق المدون المصرى كريم عامر المحاكم بعدة سنوات لأزدرائه للأديان .

                  هذه خلفية موجزة عن القاعدة الفكرية للمدونة علياء المهدى والتى قادتها لتجرد جسدها من اى غطاء عدا حذاء احمر اللون ، والصدمة التى خلّفها هذا المشهد حرّك فى الفكر غابة متشابكة من الأسئلة عن فحوى الرسالة التى ارادتها ان تصل الينا من خلال هذا الفعل الموغل فى جرأته .

                    فالتبرير الذى ساقته فى تقديمها لصورتها العارية يبدو فى نظرى مجرد غطاء يخفى تحته الحقيقة التى لم تقو على التصريح بها ، فالتعويل على عرى الفتيات (الموديلز) فى مشاغل كليات الفنون ، وعلى عرى المرأة فى كثير من اللوحات الفنية وفى التماثيل ، بأعتبار ان للعرى قيمة جمالية ومادية عالية فى ثقافات كثير من الشعوب ، ليس كافيا ليصبح التعرى فعلا جماليا ذا قيمة مادية عالية فى كل الثقافات ، فهى من واقع كتاباتها تدرك وبشكل كاف ان مجتمعاتنا لازالت تحتفظ بأقسام داخلها ترى فى اللوحة العادية وفى الصورة العادية وفى التمثال كفرا صريحا ، فما بالك بأمرأة من لحم ودم ولها اسم وعائلة ، تتعرى وتعرض عريها على موقع متاح للجميع ولا تحده حدود ، فأين توجد مداخل هذه الرسالة ؟

                   الاحصائيات تشير الى ان زيارات المدونة قد تجاوزت المليون فى يوم واحد ، فما الذى حمل هذه الحشود من المسلمين لزيارة مدونة كتب على مدخلها تحذير صريح بأحتوائها على مواد جائزة مطالعتها للراشدين ؟ولماذا تسابقوا لمشاهدة فتاة عارية مع سبق الاصرار والترصد وتسابق كثير منهم على شتمها لاحقا ببذاءة تكفى وحدها تأكيدا لخطيئتهم دع عنك تحديهم لنواهى الدين التى تحض على غض البصر عن امرأة محتشمة درءا للتحرش وتقيدا باداب الطريق فى ثقافتنا ، ليس هذا فحسب بل زادوا خطاياهم بخطيئة الامتناع عن ستر فعل فاضح منهىّ عنه فى ديننا .

                    الاهتمام تركّز على صورتها العارية واغفل صورة الرجل الذى يجلس عاريا منكسرا تحيط به هالات من الخدر الثقيل ، كأنما عريه فعل مباح ، فلماذا يلاحق المرأة التمييز حتى فى فضيحة مشتركة بينها والرجل ؟ تبدو الصورة العارية هنا تعرية لعقلية (التيوس) التى تحرّك كثيرا من رجال مجتمعاتنا المسلمة لتجريد المرأة من انسانيتها وتحويلها الى مجرد اداة للمتعة دون اى اعتبار لكون هذه الاداة يمكن ان تكون أما او اختا او بنتا او زوجة حفظت لهن تعاليم ديننا من الكرامة والحقوق اعظمها ، ويملؤنى هنا فخرا واعزازا ومحبة جهاد رسولنا العظيم فى عصر جاهلى دفاعا عن حقوق المرأة وحماية لها من الوأد ومن خبث الملتفعين بمخازى القيل والقال ويملؤنى قرفا وغثيانا ونحن فى الألفية الثالثة ألا تجد المرأة وسيلة للأحتجاج على فساد مجتمعاتنا المتسترة بالدين مظهرا ، سوى ان تعرض جسدها عاريا مستفزة اولئك الذين لا يرون فى الدين سوى قائمة من الممنوعات تحيط بحياة المرأة .

                    الدكتور سيّد القمنى قال عنها - اذا صح هذا - ( علياء المهدى تعانى من خلل نفسى واجتماعى ، فين ابوها ؟ ) تصوّروا الدكتور سيّد القمنى صاحب الانتقاءات الدينية فى التأريخ الاسلامى التى اثارت عليه عواصف المحافظين ، والتى صادفت استجابة بين عامة الناس ، وتاييدا حماسيا له من بين الشباب ، دفعت الكثيرين ان يتبنوا حملة مؤازرة له ، وظفوا لها حتى مجالاتهم الخاصة دفاعا عنه امام موجة الغضب التى قادها المحافظون ، وكان من بينهم علياء المهدى التى لم تخش تبعات تبنيها لهذه الحملة التى افردت لها مساحة مقدرة فى مدونتها ، ومع ذلك يصفها الآن بخلل نفسى واجتماعى ، فهل يا ترى كانت مواقفها الداعمة لأفكاره ناتجة من خلل نفسى واجتماعى ؟ ام كانت مواقفها مجرد انجذاب من مختل نفسى واجتماعى لأفكار مختلة نفسيا واجتماعيا ؟ ليس هذا فحسب ولكنه تمادى فألغى عقل المفكر فيه بجرأة تبعث على الشفقة حين القى بتبعات فعلها هذا على والدها ، واغفل عن عمد دور مؤسسات المجتمع وعلى رأسها لفيف مفكريها من الذين عجزوا عن استنباط صيغة دينية من تراثنا الزاخر بسمو القيم والاخلاق ، تنشل شبابنا من حالة الضياع التى خلقتها عملية الطعن الانتقائية المستمرة فى ديننا وجعلت هؤلاء الشباب عرضة للأستلاب الثقافى ، كان الاجدى به ان يسأل اين هو من هذا الفعل الفاضح ؟ وكم تبلغ مسافة قربه منه ؟ بدلا من هذا الهروب التجريمى لرب اسرة لا حول له ولا قوة فى مواجهة مجتمع ينخر الفساد فى عظامه . وعلينا ان نسأل انفسنا جميعا ، اين نحن من هذا الفعل الفاضح ؟ وكم تبلغ مسافة قربنا منه ؟

                   جسد علياء العارى ، هو فضيحة عرينا الكبرى من مبادىء ديننا الحق وقيمنا وثقافتنا وارثنا الرفيع ، وهى فضيحة تخصنا رجالا ونساءا .

                   

                    

هناك تعليقان (2):

مشاركة مميزة

اسرار الخلاص

                    الأسئلة لا تستطيع ان تغطى مجاهيل هذى المخاضة ، لا جدوى من سؤال او اجابة فى حضرة ذاكرة محتلة بالعشق ، ذاكرة كل نوافذها...