الثلاثاء، 15 نوفمبر 2011

وجه العملة الآخر


                 المخاوف من ثورات الشارع العربى كانت ولازالت قائمة من ان تنتج فى خاتمة المطاف الوجه الآخر من عملة ذات  النظام الذى اسقطته ، لتعيش المنطقة دورة خبيثة قوامها لعبة اقصائية لطالما غذّت فضاءاتها بالحقد والكراهية والقمع الى آخر منتجات انظمة الاستبداد المعلومة جيدا فى تاريخنا ، وفى هذا السياق ، فقد مضت الثورة فى مصر بهذه المخاوف الى قاعات المحاكم مطالبة بحظر الحذب الوطنى ومنسوبيه من العمل السياسي ، حتى تكسب عملية اقصائه شرعية قانونية تبعدها من الظنون وحتى يحل ناشطوه لاحقا محل الجماعات المعارضة التى سئمت سجون مصر استضافتها المتكررة ابان حكم الرئيس حسنى مبارك رئيس الحذب الوطنى آنذاك .

                وفى ليبيا ، وللمفارقة ، كانت تصريحات قادة المجلس الانتقالى ، تقطع بقوة بعدم السماح لأى من كوادر نظام القذافى المشاركة فى مستقبل العمل السياسى بليبيا ، فى حين ان قادة ذات المجلس وعلى رأسهم المستشار مصطفى عبد الجليل وابرز معاونيه ، كانوا من كبار قيادات نظام القذافى ، وبعضهم لم يمض على انسلاخه سوى اسابيع معدودة قبل انتصار الثورة ، ومع ذلك يمنون انفسهم والناس ، بأنهم متجهون لبناء نظام ديمقراطى ، وحكم رشيد قوامه الشفافية والنزاهة والعدل .

                ولأن العبر والمواعظ آخر ما تطرأ على عقل الثورة ساعات انتصارها ، فأن الضرورة تقتضى استعادة شيئا من الذكرى علّها تنفع وتخفف ولو قليلا من غلواء عقلية الاقصاء المسيطرة على كثير من النخب السياسية من الخليج الى المحيط .

                 الحكومات العراقية عقب الغزو ، قامت بحظر نشاط حذب البعث وملاحقة اعضائه من المتورطين مع قيادة صدام حسين فى الجرائم التى وقعت ابان فترة حكمه وملاحقة غير المتورطين ايضا ، وكرّست جهودا ملحوظة لعزلهم واقصائهم من الحياة السياسية ومن الخدمة العامة ايضا بشقيها المدنى والعسكرى ، دون اى اعتبار لحق الابرياء منهم فى الاستمتاع بكامل حقوق المواطنة ، والنتيجة التى ترتبت على هذا الفعل الاقصائى والتى لازال القابضون على الامور هناك يتعامون عن رؤيتها ، انهم وسّعوا دائرة اعدائهم ورفدوها بقوة متمرسة فى العمل السياسى وفى العنف ايضا ، وتعود جذورها فى هذا النشاط لأكثر من ثلاثين عاما ولها فروعها على امتداد الوطن العربى ، وهى الآن تبدو اللاعب الاساسى وراء مظاهر العنف الجارية فى العراق والمهددة لأستقراره ولأستدامة الديمقراطية فيه ،و بدأت صورة الحكومه القائمة فى مواجهتها للعنف الجارى هناك ، شبيهة بصورة نظام صدام حسين فى مواجهته لمظاهر معارضاته القائمة آنذاك ، اى ذات الدورة الخبيثة التى ظلت شعوب المنطقة ترزح تحت نيرانها عهودا طويلة .

                  خلاصة القول ، ان الديمقراطية لا تتحمل اى شكل من اشكال الاقصاء ، ومن الافضل لقوى الثورة العربية التى انتصرت على انظمة الطغاة ان تنأى عن اساليبهم فى التعامل مع الآخر ، وان تحفظ لبقاياهم حق التنافس فى العمل السياسى طالما ارتضوا بشروطه فى ظل الديمقراطية ، وهى افضل وسيلة لتجريدهم من نزعة اللجوء الى العنف ، خاصة وان العنف فى مثل هذه الحالات يتخذ مناحى يائسة شديدة الخطر ليس على الديمقراطية كنظام حافظ للحريات وكافل للحقوق فحسب وانما على استقرار وامن الوطن بحاله .

هناك تعليقان (2):

مشاركة مميزة

اسرار الخلاص

                    الأسئلة لا تستطيع ان تغطى مجاهيل هذى المخاضة ، لا جدوى من سؤال او اجابة فى حضرة ذاكرة محتلة بالعشق ، ذاكرة كل نوافذها...