الثلاثاء، 22 نوفمبر 2011

لا تقبروا هذا الخيار


                  لقد طالت الأزمة فى السودان وتطاولت الى حد بدت فيه تداعيات ملفاتها المرئية بكامل تفاصيلها الخطرة ، اقرب الى ان تعصف بالوطن او ما تبقى منه قبل ان تعصف بالنظام القائم ، وان يطرح فى هذا الوقت العصيب مشروع حكومة واسعة او قومية او سمها ما شئت ، يبدو طرحا عقلانيا ومسئولا وحريصا على سلامة ما تبقى من هذا الوطن وامنه ، ويبدو هذا المشروع افضل الخيارات المتاحة لقطع الطريق امام الشياطين الممسكة بملفات هذه الازمة والمتأهبة للأمساك بشوارعنا لتحيلها الى (قيامة) يصطلى بجحيمها الجميع .
                 والقوى السياسية على مستوى القادة حاكمة ومحكومة ، واعية ومدركة بأن الخلاص من هذه الازمة يكمن فى مشروع حكومة تمكّن جميع القوى بالبلاد من الاسهام فى صنع حاضرها ومستقبلها ، ولكن الاستجابة لهذا المشروع بدت متباطئة ومترددة ومراوغة ، ولا ندرى حقيقة اسبابها فى ظل التصريحات المتضاربة من اطراف الحكومة والمعارضة القائمة بعملية التفاوض ، ولكننا ندرى ان بقاء الوضع الحالى على ماهو عليه نتيجة لفشل هذا الخيار من شأنه ان يهيىء المناخ لذات الاجندة التى نجحت فى فصل الجنوب فى سهولة ويسر ان تمضى فى انجاز ما تبقى لها من مهام ، لنصحو قريبا ونجد ان حدود الوطن الجديدة لا تسمح لك بعبور احد انهاره او سهوله او جباله او بحره ، فضلا عن ان الاحتمالات المرعبة.التى ستترتب على انفجار الاوضاع قد تصبح حقيقية ويصعب تداركها حينذاك .

                 لاشك عندى فى ان رؤية قادة هذا الوطن الذين قبلوا بهذا الخيار ، سواء فى النظام او المعارضة ، تختلف من حيث اتساعها وشمولها لحجم المخاطر المحيطة بنا ، عن رؤية بعض القيادات من الطرفين ، وعن رؤية قواعدهم المحكومة بتأثيرات التنافس والمصالح وتصفية الحسابات والغبن المتراكم على مدى اكثر من عقدين ، وما يدعو للقلق والمخاوف هنا ، ان تنجح هذه القيادات والقواعد فى قبر هذا الخيار ، وجر البلاد الى مواجهات يصعب التكهن بمآلاتها ، وامامنا تجارب سوريا واليمن ، فلا قوة هذه الانظمة بتأريخها الطويل فى البطش والاستبداد استطاعت ان تملى ارادتها على ثورة الشارع ، ولا ثورة الشارع استطاعت ان تحقق الاستقرار وتعيد الحياة الى طبيعتها كما فى حالة ليبيا ، وتكفى الحالة المصرية عبرة عن مدى الصعوبة التى تواجهها الآن القوى السياسية فى عملية انتقال واستقرار السلطة وفى استكمال بنيات التحوّل الديمقراطى واعادة الحياة الى مجراها الطبيعى فضلا عن الخسائر الفادحة التى لحقت بالاقتصاد المصرى ، فالتعلّق بالقوة لفرض شروط مرفوضة من القوى السياسية المعارضة يعنى ان النظام قد اعلن بصريح العبارة بداية مواجهة لا تستطيع القوة مهما عظمت ان تحسمها ، والتعلّق بتجاربنا السابقة فى ثورتى اكتوبر 1964 وابريل 1985 لأسقاط النظام ، فكرة يعوزها ان تستوعب التغييرات التى طرأت على مكامن القوى بالبلاد والتى لعبت فى الثورتين دورا رئيسا فى حسم الامور لصالح الشارع ، وان تستوعب تأثير مواقف واتجاهات القوى الاقليمية والدولية من النظام القائم , ,والتعلق بالسلاح حلا للأزمة القائمة ، يعنى خلق ازمات بلا نهاية فى ظل الاستقطاب العرقى والاثنى والجهوى الذى صعد اخيرا على الساحة السياسية بشكل بارز .

                من جانب آخر فأن تشكيل حكومة واسعة او قومية او ايا كان اسمها ، لا يعنى قفل ملفات القضايا والمطالب القائمة وانما يعنى دخول قوى جديدة متفهمة لهذه القضايا والمطالب وقادرة على ايجاد حلول لها ، من هنا فأن على القوى الوطنية المؤمنة بالمصالح العليا لهذا الوطن ، والحريصة على مصالح هذا الشعب وحقوقه الضائعة والمنتهكة على مدى عقدين من الزمان ، ان تعمل بجد لتكون جزءا من مصادر القرار ليأتى ملبيا ومستجيبا لها ، ويستعيد لهذا الوطن وجهه العادل .

                  
                  

هناك 3 تعليقات:

مشاركة مميزة

اسرار الخلاص

                    الأسئلة لا تستطيع ان تغطى مجاهيل هذى المخاضة ، لا جدوى من سؤال او اجابة فى حضرة ذاكرة محتلة بالعشق ، ذاكرة كل نوافذها...