الخميس، 22 سبتمبر 2011

ازمة ومواقف مأزومة


                   الخطوة التى اتخذتها السلطة الفلسطينية بالتوجه لمجلس الامن للحصول على اعتراف بالدولة الفلسطينية ، فتحت فى آفاق هذه القضية بابا لأزمة جديدة ، بدت جلية فى المواقف الرافضة لهذه الخطوة من امريكا ومن شايعها فى الغرب ، ومن حركة (حماس) ومن شايعها من الاسلاميين ، ومن اسرائيل بالطبع ، اذ ان الخطوة بدت فى منظور هذه المنظومة الرافضة لها ، طيا لصفحة تاريخ طويل من المفاوضات وما انتجته على الارض .

                    فالسلطة الفلسطينية بعد ان حرقت من عمرها قرابة العقدين من الزمان فى التفاوض ، كانت حصيلتها مزيدا من العقبات التى تقف حجر عثرة امام قضايا الحل النهائى سواء على صعيد الاراضى الفلسطينية التى لم تكن المستوطنات آخرها او على صعيد اوضاعها الداخلية التى بدا الانقسام سيدها بحكومتيه المتصادمتين بالضفة والقطاع ، لذا تجىء خطوتها هذه فعلا عقلانيا رشيدا يتجه الى اعادة ترتيب اوراق هذه القضية التى اختلطت بشدة وتشابكت خيوطها بأجندة داخلية واقليمية ودولية ظلت تتخذ منها مطيّة لتحقيق مكاسب لا علاقة لها بمواجع الشعب الفلسطينى ، وتكفى نظرة عاجلة لمواقف الرفض هذه لأكتشاف مدى تناقض نظرتها لهذه الخطوة مقارنة مع الوقائع التى تعيشها على الارض .

                     فحركة (حماس) ترى فى قيام دولة فلسطينية على حدود 1967 ضربة قاتلة للآمال المعلقة على عودة جميع الاراضى الفلسطينية المحتلة ، اى فلسطين قبل قرار التقسيم الصادر فى 1947 ، وان قتل هذا الامل يعنى قفل الباب نهائيا امام عودة اللاجئين الى اراضى 1948 ، وهى رؤية رغم تصادمها بشدة مع الشرعية الدولية التى اصدرت قرار التقسيم الا انها على المستوى النظرى تبدو مبررا معقولا لرفضها خطوة السلطة الفلسطينية ، ولكن اجندتها الجارية على الارض تتناقض تماما مع رؤيتها هذه، اذ كيف يستقيم ان تطلب هدنة مع اسرائيل لمدة اربعين سنة دون اى اعتبار لقضية اللاجئين المحكوم عليهم بهذا الطلب ، الاستمرار فى شقائهم داخل مخيماتهم وعلى منافيهم اربعين سنة معادلة لتيه بنى اسرائيل ، ثم تأتى لتتزرع بهم الآن رافضة لقيام الدولة ، كما ان حكومتها المقالة بقطاع غزة وفى ظل شغفها بحكم القطاع تقوم بدور اقرب الى دور شرطى الحماية لحدودها المشتركة مع اسرائيل ، فموقفها المعلن من هجمات المقاومين من الفصايل الاخرى بأسم الهدنة يكفى، وبالتأكيد سيمتد لمنع اى خطوة لأقدام اللاجئين المتجهة الى اراضيهم القائمة داخل حدود 1948 ، من هنا لا يعدو رفض حماس لخطوة السلطة الفلسطينية سوى ان يكون تعبيرا عن موقف مأزوم يخشى من قيام الدولة على مكاسبه التى صنعتها المفاوضات .

                     اما امريكا فقد كان اقرارها بقيام دولة فلسطينية فى حدود 1967 طفرة نوعية فى ظل مواقفها التاريخية الطويلة على المحافل الدولية المتعلقة بالشأن الفلسطينى ، ولكن ان تقف الآن امام هذه الخطوة وتشترط على قيام الدولة ان تتم عبر التفاوض مع اسرائيل ، عبر ذات المفاوضات التى تولت ادارتها لما يقرب من العقدين واتقنت خلالها اسرائيل احراج اداراتها المتعاقبة بمواقفها المتزمتة من قضايا التفاوض ، للدرجة التى تضاءلت فيها صورتها كقوة عظمى فى اعين الفلسطينيين وشعوب المنطقة ورسّخت فى عقل المنطقة انها من انواع القوة التى لا تصنع حقا ، فأن موقفها هذا مع الفشل الزريع الذى الحقته حكومة نتانياهو الحالية بجهودها وقضى اصرارها على استمرار سياسة المستوطنات بآخر محاولاتها لا يعدو الا ان يكون تعبيرا عن موقف مأزوم تلعب فيه حسابات الداخل الامريكى المثقل بالمشكلات دورا رئيسا ، وتلعب فيه المصالح الاسرائيلية القائمة بثبات داخل عصب السياسة الامريكية دورا اكبر ولا يعدو موقفها هذا سوى ان يكون موقفا مماثلا لمواقف اللاعبين بكرت هذه القضية لتحقيق مصالح خاصة .

                 اما اسرائيل الرابح الاكبر فى لعبة المفاوضات ، تعلم علم اليقين ان المفاوضات فى ظل المؤسسات الدولية لن تتيح لها فرص الانفراد بتمرير اجندة دخيلة على اصل النزاع ، ولن تتيح لها ان تظل المفاوضات لعبة بلا نهاية ، فطول الزمن الذى صاحب هذه القضية وادى الى تراجع العرب عن كثير من مطالبهم التى نادوا بها عقب قرار التقسيم حتى استقرت فى وقتنا الراهن على الضفة وقطاع غزة اللتين كانتا تحت سيادتهم قبل حرب 1967 جعل من عامل الزمن افضل آلية تستطيع عبرها اسرائيل ان تنتزع التنازلات دون الحاجة الى اطلاق رصاصة واحدة ، لذا فهى حتى هذه اللحظة لم تستطع ان تقدم طرحا جديدا يشجع على العودة للمفاوضات ، وانما كرّست كل جهودها لقطع الطريق امام خطوة السلطة الفلسطينية على امل ان تفضى جهودها الى عودة ذليلة لمفاوضات بلا نهاية او تؤدى الى تجميد الاوضاع على ما هى عليه ، نفس اوضاع حالة اللاحرب واللاسلم التى تتقن لعبتها ولكن هيهات ، فقد دخلت القضية منعطفا الله وحده يعلم ما بعده .

                  اقبح صور هذه الازمة ان تكون حركة الفكر والدبلوماسية التى انبنت عليها الآمال فى حل القضية الفلسطينية رهينة داخل اطار وحيد يدعى المفاوضات المباشرة .
                      

هناك تعليق واحد:

مشاركة مميزة

اسرار الخلاص

                    الأسئلة لا تستطيع ان تغطى مجاهيل هذى المخاضة ، لا جدوى من سؤال او اجابة فى حضرة ذاكرة محتلة بالعشق ، ذاكرة كل نوافذها...