الأحد، 22 مايو 2011

ابيى ... حرب مستمرة


                      الحدود السياسية لمعظم دول العالم الثالث تبدو خطوط حرب ، كأنما اليد التى قامت برسمها ارادت ان تخبىء لمستقبل ايامها مشاهدا دامية لشىء فى نفسها ، وحدود 1\1\1956 جزء من هذا الرسم الذى اختزن مشاهدا دامية منذ ترسيمه ، ولكن التعايش الذى طبع حياة ساكنيه من بشر وشجر وحجر وحيوان عقودا طويلة ، كان ناجحا فى حجب هذه المشاهد الدموية التى اخذت تستعرض بشاعتها اخيرا بعد ان اصابتها لعنة النفط .

صورة للسلطان دينف ماجوك والناظر بابو نمر
                     واقليم بحر الغزال عبر تأريخه كان فريدا فى صور تعايشه مع الآخرين ، فقبل ان يكون ارضا خاصة بملك بلجيكا ابان استعمارها للكنغو ، كانت رياح اول امارة عربية قامت بنهر الكنغو على يد المرجبى قد تعلقّت بصماتها فى كثير من ملامح حياتها ، وحتى الزبير باشا رحمة ، ذاك العربى الهارب من جحيم التركية السابقة ، لم يكن يستطيع ان يبنى امارته المنعوتة بسوء الذكر الا بجهد ابنائها ، وهكذا كان شأنها الى ان ارتقت سمتها هذه فى ابهى صورها بين السلطان ماجوك والناظر بابو نمر ، بحيث اصبح من العسير على اى غريب ان يعيّن خطوطا لفرز الحياة بين المسيرية ودينكا نقوك .

                       هذا الواقع التاريخى الطويل من التعايش لم يجد حظه فى اتفاقية نيفاشا ، ليجىء برتوكول ابيى قنبلة موقوتة من شأنها ان تنسف الاتفاقية من اساسها وتعيد الشمال والجنوب الى مربع اطول الحروب التى شهدتها القارة ، وبدا البرتوكول فى احد وجوهه مصمما لخنق حياة قبيلة المسيرية ، القبيلة التى تضم اشرس مقاتلى الارض واكثرهم ضراوة والذين لا تهمهم فيما يبدو خريطة آبار النفط التى ظل يلهث خلفها مفاوضو المؤتمر الوطنى والحركة الشعبية بقدر ما تهمهم خريطة مسار ترحالهم مع ابقارهم الى آخر بقعة ارض اعتادت زمنا طويلا .. طويلا على حضورهم صيفا ، واعتادوا على هوائها ومائها وتربتها وعشبها زمنا طويلا .. طويلا .

                       والحرب التى اخذت تندلع على هذه الارض بين الحين والحين ، تبدو فى احد وجوهها حربا تقودها نزعة قبلية نجحت فى جر جيشى الشمال والجنوب الى معاركها، وهذه النزعة القبلية تبدو واضحة داخل الجيش الشعبى الذى تحكم موازنة توزيع قواته المتواجدة فى هذه المنطقة اعتبارات على علاقة بصراعات الجنوب الداخلية الامر الذى يستوجب اعادة النظر فى عناصر توزيعات هذه القوة ، وهو امر معنية به حكومة الجنوب التى يأمل المرء ان تنجح فى نشر قوات فى هذه المناطق الحساسة اكثر انضباطا والتزاما بالقرار السياسى الى حين الوصول الى حلول مرضية لطرفى النزاع .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

مشاركة مميزة

اسرار الخلاص

                    الأسئلة لا تستطيع ان تغطى مجاهيل هذى المخاضة ، لا جدوى من سؤال او اجابة فى حضرة ذاكرة محتلة بالعشق ، ذاكرة كل نوافذها...