الخميس، 30 أبريل 2015

ممنوع الاقتراب والتصوير


                  العنوان اعلاه كان معلوما لدينا ومنذ الصغر ، ان خلف اللافتة التى تحمله ، توجد منطقة عسكرية ، سواء أكانت مزروبة بسلك شائك ام تغطيها الشجيرات ، وكم اثارت هذه اللافتة مخيلاتنا وفضولنا عما يجرى خلفها ، او ما يجرى داخل تلك المنطقة العسكرية الحصينة ، ثمة سحر كان يختبى فى طياة العبارة تبدو جاذبيته اقوى من الزى العسكرى بدبابيره ونياشينه اللامعة ، فضلا عن الهيبة التى يحيط بها المنطقة العسكرية ، مكانا وعسكريين واسلحة ومعدات ، لم نسمع يوما ان احدا من خارج المؤسسات العسكرية ، تجرأ وأخترق واحدة من تلك المناطق العسكرية وقام بالتصوير .

                   بالأمس اصدرت السيّدة مريم الصادق المهدى اعتزارا لأبناء السودان (لبث صور القتلى والاسرى من ابناء الشعب السودانى ، ولبذىء القول الذى صدر عن اشخاص يحتلون مواقع المسئولية فى الدولة السودانية ، ولتراقصهم وانتشاؤهم حول جثث ابنائنا واخوتنا الشهداء . هذه افعال واقوال قبل ان تكون خروجا على القانون الدولى الانسانى واعراف الفروسية العالمية ، تشين لأعرافنا السودانية واخلاقنا السمحة التى نعرف .. )

                     من حيث المبدأ ، اضم صوتى لصوت السيدة مريم الصادق المهدى ، واعتبر كل ما بث عبر قنواتنا الفضائية حول الاحتفال الذى اعقب نصر القوات المسلحة والنظامية على مسلحى حركة العدل والمساواة بجنوب دارفور ، اختراقا فظا لمنطقة عسكرية كان يجب ان تخضع  لضوابط منع اكثر تشددا ، فميادين القتال تطغى عليها الحماسة الزائدة ، والحماسة الزائدة هى زاد المقاتلين فى المعارك ، لذلك يحرص قادة الجيوش فى العالم على حظر تواجد وسائل الاعلام قبل واثناء وبعد المعارك ، ولقد رأينا كيف ادار الجيش الامريكى عمليات غزوه للعراق بتكتم تام ، لا يدرى العالم حتى الآن كثيرا من تفاصيلها ، وكل التغطية التى حظيت بها وسائل الاعلام ، خرجت من منظومات متخصصة داخل الجيش ، حريصة على سد الثغرات التى من شأنها ان تعرّض سلامة الجيش وقواته لمخاطر عسكرية او تجره لتبعات قانونية ستطارد منتسبيه حتى بعد انتهاء خدماتهم .

                      الاقوال والافعال التى اثارت السيّدة مريم الصادق واستدعت اعتزارها ، هى جزء من ثقافة الجيوش فى العالم ، ولكنها تظل محميّة دائما باللافتة المعلومة (ممنوع الاقتراب والتصوير) ، فالفريق سعد الدين الشاذلى ، وكما اذيع ونشر عقب حرب 1973 مع اسرائيل ، اتهم بما يرقى لأعتباره مجرم حرب ، وهو الفارس الذى شفى كثيرا من جراح الهزيمة التى ادمنت سكناها فى الوجدان العربى ، ولكن كتيبا صغيرا كان قد وزعه على قواته عشية المعركة ، تسرّب بطريقة ما واشعل كل تلك الضجة التى اثيرت حول احد اعظم قادة الجيوش العربية .

                      كل ما يتصل بالتعبئة العامة ورفع الروح المعنوية للمقاتلين ، يجب ان يكون امرا حصريا للقوات المسلحة ، ويحظر بثه لعامة الناس ، خاصة اذا كان الطرف الآخر جزء من الشعب السودانى ، اذ ان البث فى هذه الحالة غير انه يوّسع من جراحات ابناء الوطن الواحد ، فهو يعزّز من زرائع امثال صمويل هنتجتون الذى طالما اتكأ على عنف المسئولين اللفظى فى النزاعات الداخلية فى بعض البلدان ، واتخذه حجة للفصل والتقسيم ، فضلا عن ان بث مثل هذه الاقوال اخذت طريقها من قبل الى لاهاى  محمولة على كاميرا ومايك ، اجد صعوبة حتى الآن فى استيعاب كيفية اختراقهما لمنطقة عسكرية .

                       الحرب مهما طالت ، سيجلس اطرافها فى الختام على طاولة مفاوضات ، فالى ذلك الحين ، لتحرص الاطراف الضالعة فيها على تغطية بشاعاتها .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

مشاركة مميزة

اسرار الخلاص

                    الأسئلة لا تستطيع ان تغطى مجاهيل هذى المخاضة ، لا جدوى من سؤال او اجابة فى حضرة ذاكرة محتلة بالعشق ، ذاكرة كل نوافذها...