السبت، 18 أبريل 2015

الدين .. حرية ام احتكار


                 حلقة الامس من برنامج (ممكن) على قناة السى بى سى المصرية ، والتى انتظرها ملايين المسلمين على امتداد العالم الاسلامى ، استضافت كلا من الشيخ الدكتور اسامة الازهرى والحبيب على الجفرى والباحث اسلام بحيرى الذى اثار جدلا واسعا بهجومه اللفظى العنيف على التراث الاسلامى وأئمته ، واستمرت حتى الساعات الاولى من صباح اليوم ، هذه الحلقة خرجت عن اطارها المرسوم لها ، رغم امنيات الاعلامى القدير خيرى رمضان ، الرامية الى تأسيس خطاب دينى معافى من كل لبس الماضى واستهزاءات الحاضر ، وقادر على السجال متجردا من احمال السياسة والمصالح الذاتية او الدنيوية ، ليكون الامر فى النهاية خالصا لله رب العالمين ، وهاديا لعامة المسلمين والناس اجمعين ، فى امكانية التعايش مع بعضهم البعض دون خوف من فكر الآخر .

                 خرجت الحلقة عن مسارها المرسوم لها ، لأن الحملة العنيفة التى قادها الباحث اسلام بحيرى على التراث الاسلامى وأئمته وامتدت شهورا ، كانت هى الأساس التى بنى عليه المستضافون استعداداتهم للحوار ، فجاءوا اليها مدججين بكل ما يملكون من نصوص واسانيد دفاعا عن مواقفهم من الدين ، بأعتبارها ثوابتا تعلو على كل هدف مهما سما ، وضاع فى معتركها الأمل فى الوصول الى خطاب دينى عقلانى .

                 اسامة بحيرى جاء بمسألة زواج القاصرات وسفّه الأئمة الذين اجازوه استنادا على ان الرسول عليه افضل الصلاة والسلام دخل على السيدة عائشة وهى فى سن التاسعة ، وتحجّج بآية فى القرآن الكريم تشترط البلوغ والرشد لزواج البنت ، وفى الحقيقة يحتار المرء ، كيف فات على أولئك الأئمة الأخذ بها حكما قاطعا فى هذه المسألة ، بدلا من مسايرة اعراف وتقاليد هى الضرر بعينه ، وقد عزّز موقفه من زواج القاصرات بمبحث يستحق الاهتمام والتقدير ، وهو ما توصل اليه من خلال نظره فى تأريخ ذات النطاقين السيّدة اسماء ، وتوصّل من خلاله بان السيدة عائشة رضى الله عنها ، عندما دخل بها الرسول عليه افضل الصلاة والسلام ، كانت فى سن بين الثامنة عشرة والعشرين ،
فهذه النتيجة تبدو متسقة تماما مع نص الآية (وابتلوا اليتامى حتى اذا بلغوا النكاح فأن آنستم منهم رشدا فأدفعوا اليهم ..) فكيف يخرج على هذا النص ، من بلّغ القرآن وكان خلقه القرآن ؟! .

                  ليت الحلقة بدأت بهذه المسألة ، فهى فى نظرى تشكّل مدخلا طيبا للوصول الى خطاب دينى عقلانى يراجع ما ألتبس فى التراث ويعيد النظر فى كل ما ترتب عليه ، وهذا ما يحتاجه المسلمون فى هذا العصر ، فلسنا فى حاجة الى الأساءة لأئمة فات عليهم نص فى مسألة هنا وهناك ونغمط اجتهاداتهم الطيبة فى عدة مسائل ، او الدفاع عنهم بمبررات لا تخدم قضايا عصرنا فى شىء وتكرّس لمفهوم احتكار الدين لطبقة ما او مدرسة ما او منهج ما ، فالحرية التى اتى بها الاسلام اوسع من ان تحتوى فى اطر او منهج او افراد ، مع حاجتنا الفعلية لأسهام تلك الأطر , والمناهج ، والافراد ، للأرتقاء بالمسلمين بخطاب متصالح مع الآخر ، وبلا تقاطعات تخدم اجندة لا ناقة لنا فيها ولا جمل .

                ينسب الى سهل بن عبد الله التسترى (لو اعطى العبد بكل حرف من القرآن الف فهم ، لم يبلغ ما اودعه الله فى ’ية من كتابه ، لأنه كلام الله وكلامه صفته ، وكما انه ليس لله نهاية ، فكذلك لا نهاية لفهم كلامه ، وانما يفهم كل بمقدار ما يفتح عليه .)

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

مشاركة مميزة

اسرار الخلاص

                    الأسئلة لا تستطيع ان تغطى مجاهيل هذى المخاضة ، لا جدوى من سؤال او اجابة فى حضرة ذاكرة محتلة بالعشق ، ذاكرة كل نوافذها...