الأحد، 13 ديسمبر 2015

اغنية فاجرة فى سب الوطن


               يحكى انه فى القرون الوسطى ، او قبل ذلك بقرون ، ان شعبا بأكمله قد هاجر من وطنه ، لا ادرى ما الاسباب الحقيقية التى دعته الى ذلك ، ولكنها بالتأكيد اسباب قوية لا تحتاج الى جدال ، فقد رخص الوطن فى اعينهم للدرجة التى لم تعد سبل كسب عيشهم ، و لا ذكرياتهم ، ولا تراتيب مجتمعهم ، ولا تأريخهم فيه ، يعنى لهم شيئا ، كل الذى عناهم فى تلك اللحظة ، هو الهجرة ، فخرجوا تاركين وراءهم وطنا خاويا فى العراء .

                المشهد يحكى تأريخ البشر الغامض مع الغرابة ، شعب بأكمله توحدت فى لحظة الخروج همومه وآماله ، وسقطت عندها كل المشاريع الحالمة لمن ظنوا انهم امتلكوا الارض وما عليها ومن عليها ، وسقطت عندها الامتيازات الزائفة والظالمة التى انبنى عليها مجتمعهم فبل الرحيل ، الميزة الآن لمن يمتلك القدرة على تحمّل قسوة الطبيعة فى اكثر صورها جلاءا ، الميزة الآن لمن يمتلك القدرة على تحمّل الجوع والعطش وتعب المسير ، الميزة الآن لمن يصرع الخوف داخله فى مواجهاته مع المجهول .

                هذه المسيرة المكتظة بنصب الحياة ، تبدو حركتها من وجهة نظر متفائلة ، مخاضا لمولد ملك جديد ، وقادة جدد ، وشعر يؤرخ لمعاناة لم تعرف صورها صوالين المترفين ، ومغنى يحكى وجعه مع الطبيعة ، و يسب ارضه السابقة التى اوصدت كل ابواب الحياة امامهم ، وطردتهم اغرابا فى برية موحشة .

                لكنها فى ظل النظر العقلى ، تبدو جوقة من المغنيين اليائسين ، يتجولون فى خلاء عدائى ويرددون فى اغنية وحيدة فاجرة فى سب الوطن .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

مشاركة مميزة

اسرار الخلاص

                    الأسئلة لا تستطيع ان تغطى مجاهيل هذى المخاضة ، لا جدوى من سؤال او اجابة فى حضرة ذاكرة محتلة بالعشق ، ذاكرة كل نوافذها...