السماء ليست فراغا ممتدا على مدى البصر ، انها مكتظة بدروب عجيبة ، فالعاصفة الرملية التى نراها قادمة من افق بعيد ، هى فى الواقع ارض مهاجرة قادمة عبر طريق سماوى مثل غيره من الطرق التى تأتى عبرها الطيور والجراد وانفاس الثورات والأوبئة ، وتأتى ايضا عبرها الأرض التى سئمت حكامها وسكانها وسوء العيش عليها .
والانهر الموسمية مصطلح خاطىء يتناقض مع حقائق الطبيعة ، الاصح ان نطلق عليها انهرا مهاجرة ، وعلى ذلك يمكننا ان نفسّر الامطار الغزيرة التى تصب فى مناطق لم تألفها من قبل ، بأنهر ضلّت طريقها عن ضفافها ، فالسحب الممطرة فى الحقيقة ما هى الا انهر مهاجرة عبر طريق سماوى ، تغيب فصلا وتعود الى مجاريها مشتاقة لأحضان الضفاف .
ونحن نعلم ان رب العزة والجلالة كان قد مد عبر السماء منذ زمان سحيق ، طرقا سلّم عبرها رسالاته لأنبيائه المصطفين ، ومد طرقا خاصة لدعاء خلقه المستضعفين ، وطرقا تصعد بها الروح الى بارئها ، وطرقا تتنزل عبرها رحمته وعدله وتتنزل عبرها سكينته الى الأفئدة فى زمن الخوف ، وطريقا قدسيا اسرى عبره سيّد الخلق ثم طوى .
والانسان فى محنته يكتشف مدى ضعفه وهشاشته ، فيتجه بكلياته الى السماء ليستقوى بعزيز مقتدر ، ويرى فيها وعلى امتداد بصره طريقا وحيدا الى الله عزّ وجل ، انه يقين المستضعفين فى الارض ، معلّق فى كثير من الاحيان على السؤال والطلب والرجاء ، اما اصحاب اليقين فلا يخشون شيئا ، ولا يرجون شيئا من خلق الله ، فعشقهم لله اقوى من كل فساد فى الارض ، قال عامر بن عبد قيس ( احببت الله حبا سهّل علىّ كل مصيبة ورضانى بكل قضية ) فقد بلغ يقينه حدا انه قال ( لو كشف لى الغطاء لما ازددت يقينا) .
انهم يعشقون الله ويخشون حسابه ، ولو عرف الذين تاخذهم العزة بالأثم ، ما عرفه هؤلاء الصالحون عن حساب الله ، لكفوا عن ظلم الناس واكل اموالهم بالباطل ، وانقذوا انفسهم من عذاب الدنيا ، ومن عذاب يوم القيامة ، قال الفضيل بن عيّاض ( لو خيّرت ان اعيش كلبا واموت كلبا ولا ارى يوم القيامة ، لأخترت ان اعيش كلبا واموت كلبا ولا ارى يوم القيامة .)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق