الجمعة، 14 يونيو 2013

قصة احلامك معايا


                        اروقة وقاعات المحاكم الشرعية صلدة وفظة ، تملأك بالصدمة وبفكرة راسخة تقول انها لا تعدو ان تكون فى افضل الحالات سوى منزلا رسميا لخيبات العاشقين ،  هنا يستحيل الحب زان يرجمه بلا رحمة عاشقان كانا الى وقت قريب اغنيته العذبة ، هنا تحترق ورقته الاخيرة ، وثيقة اصبحت فى نظرهما لا قيمة لها سوى انها تتيح لعاشقين سابقا ان يناما فى سرير واحد دون ان يحتج عليهما احد ، ذات الوثيقة التى توسلا لها يوما بالشعر والاغنيات وبرسائل تتدلى كل مساء من نجمات بعيدة ، ذات الوثيقة التى اقاما لها افراحا ومدا من اجلها موائدا ومشروبات من كل لون ، وبعدها اكتشفا فخا شديد القسوة ، اكتشفا وجه الحياة الحقيقى المختبى خلفها ، اكتشفا ان الحياة معنية بالحب وليس بأحلامه ، انها مثل الحكومات تريده ان يشيع بين الناس دون ان تمد له يدا اذا احتاج ان يبنى عشا .

                         شغلت تكاليف الزواج كل تفكيره فلم يستطع ان يبصر ما بعده رغم نظره العقلانى الذى لم يخب يوما معه ، وبوصفه محاميا بارعا تبدأ لافتة مكتبه بأختصاصه فى القضايا الجنائية وتنتهى بآخر ما ابتدعته المحليات من قضايا لم تغفل حتى مخالفات رسوم النفايات ، فقد كان يعلم جيدا ما يعنيه الوقوف امام المحاكم الشرعية على قلبه اولا وعلى صورته ثانيا ، فاكتشف ان السكن قضية كبرى ، ولسوء حظه كان المتاح وفقا لقدراته احد بيوت امدرمان القديمة من ذلك النوع الذى يعرّفه الناس بأنه (بيت مسكون) ، شبكات العناكب تتدلى على الابواب والشبابيك مثل ستائر سيدار و(السكن) على الجدران يقول لك كانت هنا (دوكة) ، شقوق وجحور تشى بموطن مزدحم بالزواحف والحشرات ، نظرت المسكينة الى هذا المشهد المرعب ثم تفرّست فى وجهه للتأكد عما اذا كان فى كامل قواه العقلية ، فأكتشفت ان زوجها من ذلك النوع الذى صدّق كلام الاغانى ، وتأكد لها انه اذا عاش معها فى مكب للنفايات فسيظل اكثر الناس سعادة ، ولم تزد عن تسآؤل حزين ( دا بيت زوجية ولا بيت طاعة ) فهم تماما ما يعنيه هذا التسآؤل بتهديده المبطن ، وكعادة الكثيرين انحشرا فى بيت الوالدين فى آخر المطاف ، فيا لشقاء الوالدين فى هذا الوطن .

                        ثورات الشباب العربى فى تقديرى احد بواعثها (قصة احلامك معايا) ، لأنها قصة تعنى الحاجة الى الوظيفة والى السكن والى اسرة جديدة تريد ان تسهم فى الحياة برؤية جديدة تغير شيئا من وجهها الكالح ، لكن المصيبة انها تريد كل ذلك فى ذات الاطار الاجتماعى القائم ، تثور لتغيير الاوضاع السياسية ، وتثور لتغيير الاوضاع الاقتصادية وذلك حتى تتمكن من الايفاء بمتطلبات التقاليد والعادات الاجتماعية ، ولكنها لا تثور يوما لتغيير هذه التقاليد والعادات التى تقف عقبة كأداء امام احلامهم ، وتقف عقبة كأداء حتى امام ارثنا الدينى الذى اعتبر الرضا بالدين وحسن الخلق شرطا كافيا لأتمام الزواج ، واكتفى بآية من القران مهرا ليصب جهدهما ومالهما فى تأسيس حياة زوجية مقبولة .

                         الحكومات معنية بأحلام من يحكمون ، ومن يحكمون حريصون على ابقاء الاطر والعادات والتقاليد الاجتماعية كما هى عليه طالما انها تخدم اهدافهم ومصالحهم بكفاءة وامتياز ، اما احلام العاشقين .. لا مكان لأحلام العاشقين فى هذه البلاد ، العشق هنا فخ ،  اما قادك لأن تكون جزءا من احلام من يحكمون واما قادك للهجرة والاغتراب واما قادك للثورة ، وحتى هذه الخيارات الثلاث صارت فى راهننا المأزوم اكثر ضيقا من ذى قبل ، يبدو اننا على اعتاب ثورة اجتماعية او ربما فوضى اجتماعية لا قداسة فيها لتقاليد او عادات او اعراف ، لا قداسة فيها لشىء ، هكذا تقول يومية الحوادث الرسمية  فى الجانب المعلن منها وتقوله يومية الحوادث الاهلية المتداولة سرا فى اضيق المجالس .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

مشاركة مميزة

اسرار الخلاص

                    الأسئلة لا تستطيع ان تغطى مجاهيل هذى المخاضة ، لا جدوى من سؤال او اجابة فى حضرة ذاكرة محتلة بالعشق ، ذاكرة كل نوافذها...