الجمعة، 28 أكتوبر 2011

تونس .. نهضة ام انتكاسة ؟


                    فوز حذب النهضة الاسلامى بالمركز الاول فى اول انتخابات حرة ونزيهة تجرى فى تونس بعد الثورة ، وحصوله على 90 مقعدا من اصل 217 مقعدا بفارق 60 مقعدا من اقرب منافسيه ، كان فوزا متوقعا لدى الكثيرين داخل وخارج تونس ( اذ اصبح الدين فى العالم المعاصر قوة مركزية ، ولعله القوة المركزية التى تحرّك وتحشد الناس ) وهى حقيقة ليست وقفا على رؤية ( صمويل هنتجتون ) فى مؤلفه ( صراع الحضارات ) فحسب وانما حقيقة منظورة فى الواقع المعاش على الارض فى عالمنا العربى والاسلامى ، وقد جاءت نتيجة لعدة اسباب من ضمنها كما ذكر ويتفق معه الكثيرون ، ان اغلب حكومات المنطقة تفتقر ( الى ادنى الاسس التى تجعل حكمها شرعيا بلغة القيم الاسلامية او الديمقراطية او القومية ، فكانت هذه النظم كما وصفتها عبارة ( كليمنت هنرى مورو ) " انظمة المتاعب " فهى قمعية وفاسدة وبعيدة بعدا حتى الانفصال عن حاجات وتطلعات مجتمعاتها ) ويبدو ان تنبؤاته القائلة بأنه ( فى كل بلد تقريبا فى اواسط التسعينات كان النظام البديل الاكثر ترجيحا ان يخلفها ، هو نظام اسلامى متشدد ) فى طريقها الى التحقق .

                    فخطاب زعيم حذب النهضة الاسلامى السيّد راشد الغنوشى ، رغم عقلانيته المعبرة عن أشواق وامانى شعوب المنطقة المتطلعة فى ان يحظى فضاؤها العام بكافة الحريات والحقوق المكفولة بموجب احكام ديننا الحق المجرد من كل ما التبسه خلال قرون طويلة والمكفولة بموجب المواثيق والعهود والقوانين الدولية ، يحتاج ترجمته الى واقع يمشى على الارض ، فتصريحه عقب اعلان الفوز بأن ( حذبه سيواصل هذه الثورة لتحقيق اهدافها فى ان تكون تونس حرة ومستقلة ومزدهرة تصان فيها حقوق النساء والرجال والمتدينين وغير المتدينين لأن تونس للجميع ) يحتاج الى جهد وتحديات كبيرة كى يمحى من ذاكرة الناس ما احدثه ( فقه الضرورة ) من اضرار بالغة على مصداقية خطاب الاسلاميين الذى سبق استلامهم للسلطة ، فتجربة حكمهم التى شهدنا منها فصولا مؤلمة فى ( قطاع غزة ) وتلك التى عايشنا اكثرها ظلاما فى تسعينات القرن الماضى فى السودان ، تلقى بظلال كثيفة من المخاوف والشكوك فى ان تكون تجربته مماثلة لما انتجته التجربتان من نفور واحباط ويأس من قدرة الاسلاميين على انتشال شعوب المنطقة من وهدة حياتها المحاطة بالأزمات ، وهنا يكمن التحدى الحقيقى الذى يواجهه حذب النهضة الاسلامى بتونس ، فالخطاب وحده لا يكفى لأثبات مصداقيته ، وانما البيان بالعمل .

                   ومع ذلك ، فأن الأمل لا يزال معقودا فى ان ينجح فى ارساء تجربة جديدة بتونس تتيح اسسها لهم ولغيرهم من الاسلاميين ، القدرة على مشاركة الآخرين جهودهم فى صنع حاضر و مستقبل بلادهم ، وصيانة مصالحها من اى عبث ، وادراك ( ان مصالح الدول لا تحددها  القيم والتقاليد المحلية فحسب بل كذلك المعايير والقوانين الدولية . )

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

مشاركة مميزة

اسرار الخلاص

                    الأسئلة لا تستطيع ان تغطى مجاهيل هذى المخاضة ، لا جدوى من سؤال او اجابة فى حضرة ذاكرة محتلة بالعشق ، ذاكرة كل نوافذها...