عقب غزو العراق ، كان رئيس الوزراء البريطانى تونى بلير ، قد صرّح تصريحه الخطير ، بان امريكا قد احكمت قبضتها على الشرق الاوسط ، ومجريات الامور فيه حتى الآن ، تشير الى صواب قوله ذلك ، فالتغييرات السريعة والمفاجئة والكبيرة المعنية بأنقسام دول ، والهادفة الى اعادة رسم خريطة المنطقة ، تجرى على نسق دقيق ، وتبدو احيانا ، انها تجرى بشكل تلقائى على يد دول المنطقة ، بمعنى آخر ، ان الخيارات المفتوحة امام هذه الدول ، فى الازمات التى تواجهها ، تقود مباشرة الى الخط الامريكى وان بدت معارضة له ، كأنما هذه الازمات صناعة امريكية بأمتياز .
صمويل هنتجتون يرى ، انه يكفى ان تراقب حضارة ما لفترة قصيرة لتقضى عليها ، وما نظنها ازمات من صنع امريكا ، هى فى الواقع من صنع ايدينا من حيث التأسيس والبناء ، وكل الذى تفعله امريكا عندما نخضع الامر لنظرية المؤامرة ، انها تقوم بتوسيع ثغرات هذا البناء ليخدم فى خاتمة المطاف مشروعها الكونى ، فالدولة الغبية هى تلك التى تظن انها ستترك سدى .
لنأخذ الآن القرار السعودى القاضى بأيقاف مساعداتها للبنان بسبب مواقف حذب الله المعادية لها ، وهى المساعدات التى يحظى الجيش اللبنانى بنصيب وافر منها ، اى الامن اللبنانى فى الواقع ، فهذا القرار بجانب انه يهدم اهم انجاز حققته الدبلوماسية السعودية ألا وهو الاتفاقية التى اوقفت الحرب الاهلية فى لبنان والتى استمرت لخمسة عشرة عاما ، فأنه يبدو كصافرة البداية لعنف جديد موعود به لبنان ، انها تعاقب بلدا بأكمله بجريرة حذب فيه ، ولكنها فى الواقع ستفتح جبهة جديدة عليها اذا انزلق لبنان للحرب الاهلية مرة اخرى لا قدر الله ، وهذه الجبهة ستكلفها اضعاف اضعاف ما تنفقه فى المساعدات التى اوقفتها ، و للغرابة أن هذا الموقف السعودى يبدو بديلا يلعب بالاوراق السورية فى لبنان ، الاوراق التى تخلّت عنها سوريا منذ خروج قواتها من لبنان .
ما لم تقدره المملكة العربية السعودية حق قدره ، ان القوى السياسية اللبنانية ، اتقنت فن اللعبة الديمقراطية الى حد بعيد ، وتبدو مراوغات هذه القوى لتفادى الوقوع فى فخ الحرب الاهلية مرة اخرى ، ولتفادى الخضوع لسلاح حذب الله ، احدى اجمل وامتع فضائل العقل السياسى التى تنتجها الديمقراطية ، وتبدو جليّة فى حركة الانتقالات السياسية من فريق الى آخر ، كما شهدناها من قبل عند وليد جنبلاط ونشهدها الآن مع سمير جعجع .
من الخير للملكة العربية السعودية ان تدع مساعداتها للبنان تستمر كما كانت ، وتدع اللبنانيين يديرون شئونهم على طريقتهم ، فهى فى اسوأ الاحوال ستتجنب اعباءا اضافية ، وحتى لا نصنع ازماتنا بأنفسنا ونرمى علآتها على الآخرين .