السبت، 31 أغسطس 2013

عبط عالمى


                      منذ ان اعلنت عدد من الدول الغربية نيّتها توجيه ضربة عسكرية لسوريا فى اعقاب الهجوم الكيماوى المجهول المصدرالذى ادمى الضمير العالمى ، اصاب الميديا العالمية شغف محموم لرؤية تلك الضربة الآتية ، آملة فى اصطياد مشاهد لا تقل فظائعها عن مشاهد الهجوم الكيميائى ، وهذا الشغف الميدياوى اذا جاز التعبير ، يأتى متسقا مع تلك اللهفة التى سعى بها بعض قيادات الدول الغربية الضالعة فى الازمة السورية للحصول على شرعية لتلك الضربة من برلماناتهم ، او فى الحقيقة للحصول على شرعية لنواياهم العدوانية .

                       وبدا التلويح بهذه الضربة حقلا خصبا لأصحاب المخيلات المعتلة والشغوفة برؤية الدماء والخراب لمد الميديا العالمية بسيناريوهات الرعب الذى سيحل وشيكا بأرض سوريا ، غافلين او جاهلين ان الحرب فى سوريا بلغت شراستها حد استخدام الاسلحة المحرمة دوليا ، وبلغت شراستها حد انتهاك كرامة الانسان للدرجة التى بلغ فيها الذبح فعلا عاديا ناهيك عن التمثيل بالجثث ، بأختصار بلغت شراستها حدا استدعى كل توحش البشر عبر القرون ، ومع ذلك يبحث اولئك القادة ومختلو الميديا العالمية عن توحش حديث ليلقوا به فى اتون ارض سوريا المشتعلة لأكثر من عامين ، يا للعبط .

                        كثيرون يؤيدون بشدة ألا يفلت من وقف وراء ذلك الهجوم الكيماوى من العقاب ، فهو فعل اجرامى موغل فى جرمه ، ولكن الأولوية فى هذا الوقت هى للعمل على عدم تكرار هذا الفعل الزنيم لا العمل على اضافة افعال عنف جديدة قد تفتح ابوابا من الجحيم الكيماوى ، الاولوية هى لأيقاف هذه الازمة المتطاولة والتى يخشى ان تطال كل المنطقة ان لم يكن كل العالم .

                         النظام السورى و معارضاته الوطنية و تلك المتعددة الجنسيات ظلوا على مدى علمين ونيف يخوضون فى قتال متوحش انتهكوا فيه كل شىء ، فهل يخيفهم التهديد والوعيد بضربة عسكرية ؟!

                          وظّفوا طاقاتكم للذهاب الى جنيف ففيها يبدو الحل ممكنا .

الأربعاء، 21 أغسطس 2013

جنيف كلمة السر


                       يبدو ان جنيف صارت كلمة السر لتحريك الملف الكيميائى والبيولوجى السورى ، فما ان تلوح فى آفاق هذه الازمة الصادمة للضمير الانسانى فرصة التوجه الى جنيف للبحث عن حل سياسى ، حتى يخرج علينا هذا الملف محمولا على ضحايا تفطر مشاهدها القلوب ، هذا التزامن المريب لحركة هذا الملف المعاكسة لمساعى الحل السياسى المقررة فى مؤتمر جنيف والتى ترعاها روسيا وامريكا بمشاركة الاخضر الابراهيمى ممثل الامم المتحدة والجامعة العربية ، يدعو المهتمين بهذه الازمة للبحث عن هذا الطرف الذى يجيد توظيف هذا الملف عقبة كأداء فى الطريق الى جنيف .

                        الاتهامات التى وجهتها المعارضة السورية فى مؤتمرها الصحفى الذى انعقد اليوم بأسطنبول بتركيا للنظام السورى بأستخدامه اسلحة كيمائية فى ريف دمشق راح ضحيّتها  1200 قتيل ، وعززت عدد من القنوات الاتهام بعرض صور مؤلمة للضحايا ، والمؤلم فى هذا العرض تلك الوحشية التى التقطت بها الكاميرات صور الاطفال القتلى والاطفال الذين اختبروا لأول مرة فى حياتهم اشكالا من الألم وهم ينازعون الموت ، كاميرات تبدو فى اعقاب ما احدثته فى وجدان الناس من شروخ ، ادوات مساعدة لتلك الاسلحة التى تطلق الغازات السامة والجراثيم ، المشهد برمته استجداء رخيص لتأليب الناس ودفعهم للأصطفاف مع دوائر الاتهام للنظام السورى وتجريمه لنزع اى صفة شرعية منه وبالتالى نزع اى صفة شرعية لأى مساع سياسية لحل الازمة ، ليبقى الحل الوحيد اجتثاث النظام من جذوره ، ليبقى الحل الوحيد تدفق نهر الدماء من شرايين الشعب السورى ، ليبقى الحل الوحيد ان تفتح ارض سوريا بطنها قبرا جماعيا لأبنائها .

                         سوريا الآن معترك دام متعدد الاطراف ، لا استبعد ان تكون اليد الآثمة التى ارتكبت مجزرة اليوم فى ريف دمشق هى يد النظام او يد طرف داخله ، ولا استبعد ان تكون يدا معارضة مدبوغة فى تأريخ مجازر المنطقة القريبة بأدمانها صناعة مشاهد الابادة الجماعية ، ولا استبعد ان تكون يدا خارجية تخشى على مصالحها من ان يؤدى مؤتمر جنيف الى تسوية تطيح بأمانيها التى بنتها طوال عامين على دماء واشلاء الانسان السورى ودمار بنياته ، فالظلام يغطى ارض سوريا بأكملها ، والمرئى فى هذه الظلمة ان مجرد تحديد موعد لأنعقاد مؤتمر جنيف يعنى نذيرا بمجزرة مؤكدة بسوريا .

                          الجنون الذى يدير عقل الاطراف السورية المتقاتلة يجب ان يوقف عند حده ، والانتهاكات البشعة لوجدان الناس التى تنقلها كاميرات الاعلام المتنافسة فى دعم فصيل هناك او طرف من اطراف القتال بتسويقها لآكثر صور القتل بشاعة كأنها تدعو لتعبئة عامة لحرب شاملة قادمة ، يجب ان توقف عند حدها ، والهروب المتغطى بالمجازر من مؤتمر جنيف يجب ان يوقف عند حده فكل حرب آخرها تسوية ، ومن يرفض التسوية لن يجنى سوى جرائم الحرب .

                          

الأحد، 18 أغسطس 2013

مصر تحت ضغط عالى


                        الاتحاد الاوروبى يعلن انه سيحدد علاقاته بمصر خلال ايام اذا لم يتوقف العنف ، ومواقف امريكية مضطربة ينزلق نصف العصا من يدها بين الحين والحين مرة الى اسفل ومرة الى اعلى ، وعدد محدود من الدول سحبت سفراءها ، ومواقف من منظمات دولية حقوقية لم تصل بعد الى ذروتها، و تهديدات خلف الكواليس تلوح غامضة على حالة و تعابير وزير خارجية مصر فى مؤتمره الصحفى الذى عقده اليوم مثلما لاحت قبل ايام من خلال استقالة الدكتور البرادعى ، وتصريحات من لاعبين كبار فى المشهد الدولى مثل الرئيس الامريكى الاسبق جيمى كارتر الذى يعزو استحالة المصالحة مع حالة العنف القائمة فى مصر ، ويبدو ان مصر مقبلة على معركة شرسة مع الغرب المتزرع الآن بقضايا حقوق الانسان على خلفية العنف المتبادل بين جماعة الاخوان المسلمين ومناصريهم من جانب والقوات النظامية المصرية من جانب آخر .

                         هذه المعركة المقبلة لا تخيف احدا فى مصر سوى اولئك المتشبعين والمرتبطين ارتباطا وثيقا بثقافة ومعايير تعاطى المجتمع الغربى فى الساحة الدولية المنفرد بسيطرته عليها والتى يشكل داخلها اولئك النفر الخائف ادوارا منتظرة ، اما المختنقون بنيران الواقع المصرى ، فالخوف الوحيد الذى يسيطر عليهم فى هذه الاثناء ان تصل مصر الى تلك الحالة التى لخّصها الفريق عبد الفتاح السيسى وزير الدفاع فى عبارة مثقلة برعب كبير (ما نروح نموت احسن) ، فالموت صار خطا فاصلا بين مصر 30 يونيو ومصر التى يريدها الاخوان المسلمون ويؤيدها من يؤيدها فى الداخل والخارج .

                          الضغوط العالية على مصر فى هذا الظرف العصيب الذى تمر به يثير شبهات كبيرة حول وعى الدول الغربية التى تقود هذه الضغوط بالواقع المصرى ، او اذا افترضنا ادراكها ووعيها بهذا الواقع فأنها تثير شبهات كبيرة حول ولوغها فى صناعته بمشهده الدموى الراهن وبخسائره على مصر وبخسارته الفادحة على حاضر ومستقبل الاخوان المسلمين الذين فيما يبدو قد اغرتهم بعض الوعود الكاذبة فى الوقوف المتعنت على حافة الهاوية ، فالضغوط العالية التى تمارس الآن على حكومة مصر تبدو فى النظر المصرى العام وفى نظر شعوب المنطقة انحيازا لمشروع الأخوان المسلمين ولا علاقة له بمبادىء الديمقراطية التى تنادى وتتزرع بها الدول الضاغطة طالما ان معظم القوى القابضة على السلطة فى مصر لا زالت ترحب بهم فصيلا مشاركا فى العملية السياسية بشرط السلمية الذى لايعترض عليه احد ، وتبدو من ناحية اخرى نذيرا لكل البلدان التى تنشط فيها جماعة الاخوان بالاختيار بين المشروع الاخوانى اوالسيناريو المصرى (اذا استمر مشهد العنف هنالك لأيام قادمة)  وحينها فلتستعد هذه الدول لموجات من الكراهية والعداء .

                         يحزننى جدا هذا الدم المصرى المراق ، ويحزننى جدا ان يظل الاخوان المسلمون على عماهم وهم يساقون من مجزرة الى محرقة بيد لا يهمها سوى ان تجنى على حساب ارواحهم ودمائهم مصالحا لا تخدمهم فى الدنيا ولا الآخرة  .

الجمعة، 9 أغسطس 2013

اخطار منتظرة


                       الخطر المصاحب لهذه الامطار الغزيرة والسيول الكاسحة وما خلّفته من دمار ومن مآسى ليس وحده ، هنالك خطر آخر مختبى خلف هذا المشهد المأساوى اشدّ فتكا واضرارا بالانسان ، وما لم نستعد له منذ الآن فأن جميع المدن والقرى والاحياء التى تأثرت بخريف هذا العام ستصبح كرنتينة كبيرة ، اما بسبب النزلات المعوية او الملاريا القاتلة ، فأسراب الذباب والباعوض الآن تستعد لأستكمال مشهد الكارثة .

                        المسئولون عن صحة البيئة هم الآن فى اعلى ترتيب الاهمية ، والمعركة المنتظرة امامهم معركة شرسة وحيوية وتستوجب البدء فورا فى خوضها بلا هوادة وبلا توقف مهما كانت الاسباب ، الميزانيات يجب ان توجه لمحاصرة هذه الكارثة بتوفير كافة متطلبات واحتياجات فرق مكافحة الباعوض والذباب ، وتوفير الاحتياجات اللازمة لتمكين العاملين بالنفايات من اداء مهمامهم .

                          خطر ثان تستعد له غيلان مدربة على الاصطياد فى المياه العكرة -وما اكثرها هذه الايام- ، تجيد خلق الازمات فى السلع الضرورية بدءا من الخبز مرورا بالوقود وانتهاءا بالبقوليات والبلح ، فحتى لا تشهد هذه السلع ارتفاعا جنونيا اكثر مما شهدته فى الايام الفائتة او تنزلق فى هذه الاجواء الى ظلمات الاسواق السوداء ، يجب التعامل مع الاسواق والاسعار برقابة صارمة فنحن فى ظل وضع استثنائى  .

                           خطر ثالث يستوجب من المجلس الاعلى للصيدلة ان يسهم فى درء اخطار النزلات المعوية والملاريات بفعل بسيط لا يتطلب تخفيضا فى اسعار ادويتها وانما توفيرها لتكون فى متناول اليد عند كل صيدلية .

                            واكبر معين لتخفيف آثار الكارثة هو استمرار امدادات المياه والكهرباء .

                             اسأل الله ان يحفظ هذا الوطن واهله .

الثلاثاء، 6 أغسطس 2013

بالفطرة كان اقوى


             
                        السودان فى فترة الادارة البريطانية خضع لمسح جغرافى دقيق ، وكان مهندسو المساحة خلال تلك الحقبة اسياد الوظائف ، ويكفى حجم الخرط والخرط الكنتورية التى انجزوها عن طبيعة أرض هذا الوطن ، فقد كانوا رأس الرمح والكلمة الاولى والاخيرة لأى مشروع ولأى بناء مقترح ، واذكر ابان عملى بديوان شئون الخدمة فى السبعينات كنا نتعجب من وظائف مخططى المدن المبينة ضمن سجلات مصلحة الاسكان ، وكنا نعتبرها وظائفا نائمة لأنعدام وجود اى خطط اسكانية فى تلك الفترة  تستوجب وجود ذلك القسم بتلك المصلحة الصغيرة وقتذاك ، ولكنى الآن حين انظر لحجم الدمار الذى حاق بكثير من احياء الخطط الاسكانية التى تمت خلال العقدين الماضيين لا املك الا ان احىّ ذلك الكادر من مخططى المدن الذين انجزوا تخطيط احياء الثورات القديمة من الحارة الاولى الى السادسة والى العاشرة ايضا وغيرها ، فقد صمدت هذه الاحياء عقودا طويلة امام غضب الماء فى الخريف .

                              اكثر من مائة خريف مروا على امدرمان القديمة وظلّت صامدة امامه وامام سيوله العارمة ، مبانى من الجالوص المطلية بالزبالة ، وسقوف بعضها من الحصير والقنا وفروع النخيل وقفت متحدية غضبات المطر على مدى قرن من الزمان ، لم يكن يوجد عند بنائها شئون هندسية او مخططو مدن ، فقط اعتمدت على الفطرة ، فطرة تعرف كيف تتقفى اثر السيول فى الارض البور ، وتعرف طبيعة التربة التى تنوى ان تقيم عليها بناءها وبأى المواد تبنيه ، لقد كان بصر وبصيرة اجدادنا اكثر قوة وقدرة وعلم على اختيار مواقع السكن وكان الجالوص ولا يزال اقوى ، فلا داعى لتحميل المواطنين عنف الطبيعة واخطاء المسئولين .

                             غضب الطبيعة امر وارد و معروف عبر القرون ، واخطاء البشر امر وارد ومألوف فى اكثر الدول تقدما ، ولكن هناك من يتعلم من اخطائه ويعالجها بمسئولية ، والمسئولية فى هذه الكارثة التى انتجتها امطار الايام الفائتة التى ذكرتنا بخريف العام 1988 تقتضى ان تعود بالنظر الى لحظة توقيع ذلك القرار الذى اتخذ من ارض تألفها السيول مساكنا لمواطنين خاصة و (ان الماء يظل لمجراه امينا) ، وتقتضى محاسبة من اهدر ثقتهم فى علم ووثائق مؤسسات الدولة المفترض ان قدرتها على معرفة الصالح من الارض للسكن تكفى االمواطن كى يسلّم بعرض المسئولين بالاراضى ويستلم مطمئنا قطعة الارض المخصصة له ، ولكن ان تصبح التكلفة العالية التى تحملوها فى فقد ارواح اعزائهم وسيتحملونها فى مقبل الايام نتيجة لهذا التخطيط الخاطىء ، جزاءا على الثقة التى وضعوها فى المؤسسات المشتركة فى عملية وضع خطط الاسكان ، فهذا يعنى اننا امام مؤسسات تبيع الموت والخراب لمواطنيها وان الفساد هنا قد بلغ تمام قدرته على الاستبداد ، التحقيق فى اسباب هذه الكارثة واجب قانونى واخلاقى ودينى يقع على عاتق الدولة .

مشاركة مميزة

اسرار الخلاص

                    الأسئلة لا تستطيع ان تغطى مجاهيل هذى المخاضة ، لا جدوى من سؤال او اجابة فى حضرة ذاكرة محتلة بالعشق ، ذاكرة كل نوافذها...