الثلاثاء، 17 يناير 2012

لا جدوى


               فى البدء كانت الكلمة ، ولا ادرى اى كلمة تلك التى قتل بها الأخ اخاه ، ولكنى ادرى ان الحرب اولها كلام ، وان كلمة من الممكن ان تطلق صاروخا يبيد قرية او مدينة او بلدا بأكمله ، وادرى ايضا تلك الكلمات التى تعود لصاحبها بطعنة نجلاء من سكين غادرة ، او بضربة قاتلة من عصا غليظة ، وادرى ايضا انه لولا الانترنت ، لظلّت الكلمات الحرة حبيسة فى ادراج وملفات وكراسات الى ان يطويها العدم ، او يتبادلها الناس سرا مثل شىء ممنوع ، فالكلمات ظلّت حكرا على جيش من السياسيين ، مدعوم بجيش من اهل الاعلام ، كل ما ينتجه الاخير ، خاضع برمته لرؤية سياسية هنا وهناك، لا يوجد تعبير حر على الاطلاق داخل ماكينة الاعلام ، الا بما يتفق مع السياسة هنا وهناك ، عدا ذلك فهو الذى قالوه يوما  (آذان فى مالطا)  ، فكل تعبير تحركه قوى خلفية ، لها خطوط لا تسمح بتجاوزها حتى اذا كان هذا التجاوز هو الحق بعينه ، فهل يصمد رأى حر داخل هذه الغابة المتشابكة بجيوش جرارة ، تحمى مصالح قد ندرى اولها ولا ندرى اين تنتهى ؟

               قالها الفيتورى ( واهم من ظنّ الاشياء هى الاشياء ) فما اروعه ، فقد فات علىّ زمن طويل حتى اكتشفت ان مسارى فى الحياة لم يكن سوى نطاق ضيّق حددته اياد ، بعضها يبدو اقرب اليك من حبل الوريد ، واخرى خارج مدى الرؤية ، وجميعها محميّة اما بسلطة اقوى منك ، واما بنبل فيك ، او زهد فيك ، او بعبط يلفك من رأسك الى اخمص قدميك ، وبعضها يبدو خارج مدى الرؤية ، بحيث لن تراها حتى تتوسّد تلك الحفرة التى تنتظر الناس جميعا ، فأذا قلت ام لم تقل ، لن يتغير شىء ، وانما يدفعك القول داخل جدران الألم والخيبة والاحباط ، فالعالم يسير كما يريده اولئك القابضون عليه بأياد ، لا تخشى ان تلوّثها الدماء ، او ان تمتلىء بقذارات الاموال الوسخة .

               التعبير الأنسانى الرفيع فى هذه الحياة ، هو التعبير بالفرشاة ، هو ذلك الذى تراه على لوحة مغطاة بالجمال ، وفى داخلها ضخب مدهش لحياة ، قد تكون لأنسان او طائر او حيوان او نبات ، فالرسام هو افضل وانبل معبّر عن الحياة بحريّة ، يمنحك زاوية نظر لا تلغى عقلك ابدا ، واذا صدمك داخل اللوحة شكل او خط ، يحميك من وقع الصدمة بخليط مبهر من الالوان ، فتمتص خيوط الضوء الخارجة منها ، خيوط الألم الطارىء عليك ، والألم الساكن فيك ، فمن اراد ان يعبّر بحرية فليرسم ، واذا افتقد الموهبة ، فليكن عبدا للجمال ، سيأخذه برفق الى عالم الطبيعة الزاخر بالبهاء حد الدهشة ، وسيخرجك برفق ايضا من عالمك الذى تعيش فيه الآن ، سيخرجك من روائح البارود والدم والموت ، وسيخرجك من اجواء الشتائم والاكاذيب والمؤامرات ، التى يتبادلها المهووسون بالتملك والامتلاك ، ومطاردة الاحلام الخائبة ، عندها ستكتشف عوالما من الدهشة تحيط بك ، كنت غافلا عنها بتعلقك بأكثر وجوه هذا العالم جنونا وقبحا .

               لا جدوى من القول ، لا جدوى من الكتابة ، سأبدأ من اليوم رحلة البحث عن كاميرا واسعة الزوايا ، لا تفوّت عينها الراصدة للجمال لقطة ، وان كانت مخبأة فى طرفة عين ، والى ذلك الحين سأنتقى من فضاء الانترنت اجمل ما التقطه من جمال .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

مشاركة مميزة

اسرار الخلاص

                    الأسئلة لا تستطيع ان تغطى مجاهيل هذى المخاضة ، لا جدوى من سؤال او اجابة فى حضرة ذاكرة محتلة بالعشق ، ذاكرة كل نوافذها...