الجمعة، 6 يناير 2012

دولة الجوهر ودولة الخلافة


                   أثار رأى المرشد العام للأخوان المسلمين بمصر حول اقتراب الجماعة من تحقيق خلافة اسلامية ، الكثير من الجدل والمخاوف فى اوساط النخب السياسية والدينية والفكرية ، ليس فى مصر فحسب وانما على امتداد العالم العربى والاسلامى الذى لا يخلو بلد فيه من فرع لهذا التنظيم الذى اتخذ بعدا عالميا ، وجمع بين صفوفه صفوة من مختلف فئات المجتمعات العربية والاسلامية ، ونجح فى توفير مصادر تمويل مبهرة ، وبدا فى واجهة العالم العربى والاسلامى ، القوة الأفضل تنظيما وتماسكا ، والأكثر اثارة للمخاوف لدى الانظمة الحاكمة والقوى السياسية المنافسة وقطاعات مقدرة داخل المجتمعات تخشى من مشاريع هذه الجماعة ان تؤثر على نمط حياتها الذى الفته عقودا طويلة ، فضلا عما عانته من مشاريع سابقة ضيّقت على حريّاتها وحقوقها ، فكان لابد لرأى مرشد الاخوان المسلمين فى مصر ان يثير من الجدل والمخاوف الكثير خاصة مع مظاهر الانبعاث الاسلامى السياسى التى طغت على فضاءات العالم العربى والاسلامى خلال السنوات الفائتة وصعود بعضها الى السلطة فى اكثر من بلد وتناغمها المعلن مع هذا المشروع - دولة الخلافة- بكل محموله التأريخى المعلوم .

                  ومشروع دولة الخلافة كمشروع وحدوى تأريخى وليس دينى ، يقوم على نسق الاتحاد الاوروبى او الفيدرالية الامريكية او على نسق تجارب اخرى سبقتنا عليها شعوب الارض كما صححت بعض قيادات الجماعة فكرة المرشد ، لا يخيف احدا بل يبدو مشروعا جاذبا ومطلوبا بشدة ، ولكن الصبغة الدينية التى تضفيه عليه قيادة الاخوان المسلمين والتى تبدو واضحة سواء من خلال رأى المرشد العام للجماعة فى مصر او من خلال امانى واشواق منتسبيها على امتداد العالم ، ومن خلال جماعات اخرى مشغوفة بدولة الخلافة فى اكثر صورها اشراقا على عهد الراشدين ، لن تصمد معها فكرة التصحيح التى قالت بها بعض قيادات الجماعة فى مصر ، فقيام دولة جوهرية ذات معالم اسلامية واضحة جاذبة لبقية الدول ، هى اهم شروط قيام هذا المشروع ، وهنا تكمن المعضلة الكبرى ، لأن المشروع ستتم صياغته وفقا لفكر الاخوان المسلمين وسيأتى فى مجمله اقصائيا للآخر الاسلامى .

                  فى الفصل السادس من كتاب ( صراع الحضارات ) لصمويل هنتجتون الطبعة الاولى 2006  - دار الامل للنشر والتوزيع جاء فى صفحة 169 ما يلى :
( ان السياسات العالمية بعد ان حفزتها حركة التعصير، يجرى اعادة تركيبها الآن لتكون منسجمة مع الخطوط الثقافية . فتتقرب الشعوب والدول ذات الثقافات المتشابهة لتجتمع معا . بينما تتباعد الشعوب والدول ذات الثقافات المختلفة فتفترق . فالتكتلات التى حددتها العلاقات بالايدلوجية وبالقوة العظمى تنهار فتخلى السبيل لقيام تكتلات تحددها الثقافة والحضارة . ويجرى اعادة رسم الحدود السياسية على نحو يزداد يوما بعد يوم لتتلاءم مع الحدود الثقافية : العرقية والدينية والحضاراتية . وتحل التجمعات الثقافية الآن محل كتل الحرب الباردة ، وتصير خطوط الصدع بين الحضارات اكثر فأكثر هى الخطوط المحورية للصراع فى السياسات العالمية . )

                    كان الاستشهاد ( بهنتجتون ) ضروريا لأن طرحه الوارد بمؤلفه (صراع الحضارات) يشهد يوما بعد الآخر تطبيقا عمليا على ارض الواقع خاصة فيما يتعلق بأعادة رسم الحدود السياسية على نحو يزداد يوما بعد يوم ، ولكن الملاحظة البارزة فى هذا الطرح تناوله للأسلام فى اطار رؤى حركات الاسلام السياسي بالقدر الذى يبدو فيه اقرب الى دعاية محفزة لهذه الحركات لملء الفراغ القائم نتيجة لغياب نظام عربى اسلامى ، فأستشهاده بالدكتور حسن الترابى زعيم الحركة الاسلامية فى السودان فى اكثر من موضع فيه دلالة واضحة لميل قوى لأفكاره ينحى منحى التحريض له للمضى قدما فى مشروعه حتى وان كان متصادما مع واقع معقد ، ومع احترامى للدكتور الترابى ، الا ان الظاهرة البارزة ليس فى السودان وحسب وانما فى جميع انحاء الوطن العربى والاسلامى ، انسياق حركات الاسلام السياسى وراء هذا الطرح بقناعة تامة ، كانت حصيلتها فى السودان ، انفصال جنوب السودان لأختلافاته الثقافية : العرقية والدينية والذى صادف ايضا هوى واستجابة مذهلة لدى الجنوبيين بالقدر الذى بلغت فيه نسبة المؤيدين للوحدة فى استفتاء نزيه وشفاف اقلّ من 2% كأنما اعادة رسم الحدود السياسية مشروعا كلّفت به هذه الحركات ، وما يهمنى هنا ،ان الاخوان المسلمين فى مصر امام محك اشدّ خطورة من ذلك الذى واجهه رصفاؤهم فى السودان ، فالمضى قدما فى مشروع دولة الجوهر سيقود بالضرورة الى خروج الاقباط من هذه الدولة ، خاصة فى ظل الهجمات التى يتعرضون لها بين الحين والحين من متطرفين اسلاميين ، ولكن وبحكم وجودهم التاريخى السابق للأسلام ، سيكون خروجهم بأرض مصرية ، يعنى خريطة جديدة لمصر ، فهل يمتلك الاخوان المسلمون فى مصر القدرة على الخوض فى هذا المشروع بتبعاته الثقيلة هذه ؟

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

مشاركة مميزة

اسرار الخلاص

                    الأسئلة لا تستطيع ان تغطى مجاهيل هذى المخاضة ، لا جدوى من سؤال او اجابة فى حضرة ذاكرة محتلة بالعشق ، ذاكرة كل نوافذها...