الخميس، 15 ديسمبر 2011

العراق : فرح وخوف


                 اوفت ادارة اوباما بألتزامها امام ناخبيها بأنهاء احتلال العراق ، وطوت بذلك صفحة سوداء فى تأريخ سياستها الخارجية هزّت كثيرا من المبادىء والمعايير التى حكمت امان العالم عقب الحرب العالمية الثانية ، واشعلت كل مخاوف الشعوب من ان يصير شطط القوة ، آلية وحيدة لحل الخلافات ، فهو حدث يبدو فى تقديرى علامة مميزة فى تأريخ السياسة الخارجية الامريكية وفى تأريخ التواجد العسكرى الامريكى بالخارج ، فبأستثناء فيتنام ، فأن الوجود العسكرى الامريكى فى بعض انحاء العالم ، مضى على انتشاره اكثر من نصف قرن من الزمان ، ولا يلوح فى الافق ما يشير الى اعادته ، وكوريا الجنوبية خير مثال ، لذا يبدو انهاء هذا الوجود بالعراق رغم ظروفه الداخلية المضطربة وظروفه المحيطة به والتى لا تقل اضطرابا ، نقلة نوعية مذهلة فى السياسة الامريكية .

                 لاشك ان فرحة معظم العراقيين بهذا الحدث الكبير ، لا تضاهيها سوى فرحة اسر الجنود الامريكيين بعودة ابنائهم سالمين الى ديارهم ، وربما فرحة آخرين من دول الجوار كأيران وسوريا اللذين شكّل الوجود العسكرى الامريكى بالعراق تهديدا مباشرا لهم ، الا انه وبالمقابل هزّ انهاء الوجود العسكرى بالعراق امان اطراف عراقية بدت بعده قوة ضعيفة و مكشوفة امام خطر السطوة الطائفية والعرقية والمذهبية ، كما هزّ من جانب آخر امان دول الجوار الخليجى بعد ان كان يمثّل لها درعا واقيا من مخاوفها الناتجة من احتمالية التمدد الايرانى بكل محموله التأريخى والمذهبى .

                   وفى ملتقى الفرح والخوف هذا ، يصبح العقل السياسى الحاكم فى العراق محاصرا بتحديات كبيرة ، لا مخرج منها فى تقديرى سوى ان تقف السلطة الحاكمة فى العراق ايا كانت توجهاتها ، على مسافة واحدة من مجمل مكونات العراق ، وعلى مسافة واحدة مع دول الجوار ، وهى مسألة لا تكلفها سوى مد حبال الثقة داخليا وخارجيا وتوفير ضماناتها اللازمة ، فالنهج السياسى الحصيف يبدو احيانا اقوى من كل الجيوش واكثر قدرة على حماية استقرار الوطن ومحيطه الاقليمى ، وهو الدور الذى ينتظر ان تلعبه بجدارة .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

مشاركة مميزة

اسرار الخلاص

                    الأسئلة لا تستطيع ان تغطى مجاهيل هذى المخاضة ، لا جدوى من سؤال او اجابة فى حضرة ذاكرة محتلة بالعشق ، ذاكرة كل نوافذها...