الاثنين، 21 أكتوبر 2013

رمل الكلوزيوم


                          (لا شىء يلهى روما مثل رمل الكلوزيوم )
                      
                        لا يمكن ان يصدر هذا القول من احد دهاقنة الترفيه ممن يزدحم بهم عادة بلاط القياصرة والاباطرة ، أولئك الذين اعتادوا تقديم ابهى صور الملهاة  واكثرها ابداعا ، اذ ان العبارة بجانب كونها تشى بعمق سياسى ماكر ، فأنها تؤرخ لزمان قيصرها بمتلازمة القتل والملهاة ، لتفصح ببراعة ان الجالس على عرش روما طاغية تتوقف حياة البشر على اشارة من ابهامه فى حلبة الكلوزيوم .

                        وفى حلبة الكلوزيوم يتقاتل العبيد مع بعضهم البعض من اجل البقاء ، ويتقاتلون مع فرسان روما من اجل الحرية ، ويتقاتل جميعهم قتالا متوحشا يحاكون به اساليب جيش روما العظيم فى الحروب ، وكل ذلك  لا لشىء سوى ان يستغرق شعبها فى هذه الملهاة الدامية بعيدا عن سجالات النبلاء فى مجلس الشيوخ ، السجالات الساعية لبناء حياة مدنية كريمة يحكمها القانون وليس ابهام قيصر الذى اعتاد ان يسقى رمل الكلوزيوم بالدماء .

                          احاجى القدم هذه ، تتراءى لى حيّة متقدة ، ليس فى شوارعنا فحسب وانما فى معظم بلاد الدنيا ، فمن هو هذا القيصر الكبير الذى يمسك بخيوط هذه اللعبة الدامية منذ ذلك الزمان ليحيل بها شوارعنا كرمل الكلوزيوم عطشى دوما للدماء ؟

                           بعض هذا القيصر يسكن داخلنا ، ويتسلل بوعى منا او بغير وعى الى سلوكنا مع الآخر ، حتى لو كان هذا الآخر طفلا من لحمنا ودمنا ، فبعض هذا القيصر الذى يسكننا هو الذى يعمى بصرنا وبصيرتنا ، ويجعلنا نتماهى معه حتى فى طريق بحثنا عن الخلاص ، الى ان صار طريقنا الى الخلاص هو ذات الطريق الذى سلكه (سيزيف) الى اعلى الجبل ، لم تعوزنا قوته فى حمل الصخرة  ولا نجاخه فى الوصول بها الى اعلى الجبل ولا قدرته فى تكرار المحاولة بعد تدحرجها الى اسفل فى كل مرة ، فمن اكتوبر 1964 الى ابريل 1985 وما قبلهما ، وما بينهما ، وحتى اواخر سبتمبر الماضى ، والى القادم من المحاولات ، تبدو عملية نقل الصخرة اعلى الجبل وتدحرجها ثانية ، هى العائد من كل تلك الدماء الذكية التى سقت شوارعنا وكل تلك الارواح الطاهرة التى ازهقت فى جنباتها ، كأن التأريخ فى وعينا مجرد احاجى للتسلية ، احاجى لن تتيح لنا ان نلحظ اوجه الشبه بين ما جرى فى العام 1924 وما جرى فى هذه الايام القريبة من عمر الانقاذ فى عامها رقم 24 - مع الاخذ فى الاعتبار الفوارق- فآنذاك ابتعد السيدان فأصبحت حركة التظاهرات والاحتجاجات معزولة عن السواد الاعظم من السودانيين وكذا الحال فى حراك الامس القريب .

                            ثمة بداوة متوحشة تمسك بتلابيب العقول ، تنظر الى الآخر كمشروع ورثة لا اكثر ولا اقل ، بداوة تتجلى فى خطاب السلطة حين يصف بعض شعبها بما يطعن فى الصميم ، الكرامة التى يجب ان يضفيها على هذا البعض حق الوطن ، وتتجلى فى افعالها حين تطال مصادرة ممتلكات الناس ، بداوة تتجلى فى خطاب المعارضة بأطيافها حين تصف النظام القائم كأنه مجموعة من الغرباء هبطت فجأة ارض الوطن وليست جزءا من مكونات هذا الشعب ونتاجا طبيعيا لحراكاته ، و تدعو الى اجتثاثه من جذوره ، ثم تتجلى فى افعالها حين تحمل السلاح لتحقيق ذلك ، وتصبح فكرة القضاء على الآخر نهائيا هى فى واقع الحال فكرة تشغل عقل كل منهما ، بحساب التركة التى ستؤول اليه عند نهاية هذا الآخر ، لعنة الله على الملكية والتملّك .

                           شعب ينام ويصحو على امان بسيطة فى الحرية والسلام والعدالة الاجتماعية ، لايستحق بفعل طموحات هنا وهناك ان تصير شوارعه كرمل الكلوزيوم عطشى دوما للدماء .
                            

                           

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

مشاركة مميزة

اسرار الخلاص

                    الأسئلة لا تستطيع ان تغطى مجاهيل هذى المخاضة ، لا جدوى من سؤال او اجابة فى حضرة ذاكرة محتلة بالعشق ، ذاكرة كل نوافذها...