رجل من المدينة يرتدى قناعا قال : الشفق روج تناثر من شفة الشمس .. بقايا الدم الذى اغوته فى النهارات الشحيحة العطاء ، الشفق آخر اقنعة الشمس ، والمدينة الماكرة تخدعنا بأغنية عن جماله ونصدقها .
وقال ايضا : المدينة تقدمنا الى باب الليل بأغنية ، وتتركها تسير عارية بجوار اسرّتنا ، تهتز وتتمايل وتتراقص حتى يثقب ايقاعها الملتهب ذمّة الليل ، فينزلق الامل والرجاء والشكوى فى قاعها الحصين ، كثيرون يمضون الليل بحثا عن مخرج ، وكثيرون يرون اقربه كبعد المسافة ما بين الأبط ونجمة الليل البعيدة ، و حين يبلغ التعب بهم مبلغه ، يتغطى بعضهم بالأغنية وينام ، ثم يرتديها قناعا فى الصباح .
اما بعضهم الآخر ، فيتسلل فى عتمة الليل الى ملاهى المغامرين ، يضعون ضمائرهم على مناضدها راقصات تعرّى ، كلما تجردت احداهنّ من قطعة ، انجبت مستذئبا متعطّشا للدماء ، حتى اذا انقضى الليل ، انقضّ جيش من المستذئبين على دماء هنا وهناك ، وارتقى المتسللون بفضل هذه الدماء درجة الى اعلى ، وليتسع بعدها قاع المدينة ما شاء له الاتساع .
المدينة غامضة ، هكذا نراها فى النهار ، وفى الليل نراها اكثر غموضا ، فمعايير العطاء فيها لا يدركها الكثيرون ، والمعلوم منها بالمشاهدة انها معايير بلا تمييز ، لايهمها من تكون ، المهم ما تكون عليه انت وحاجتها ، وما تكون عليه يجب ان تكونه على دينها واخلاقها ، فكلما اقتربت من معاييرها الحاكمة ، كلما ارتقيت درجات ودرجات بعيدا عن قاعها ، وبعيدا عن دينك واخلاقك واحلامك ايضا ، انه اختيارك ، تمضى اليه بأرادتك ، فلا تتذمر ولا تلعنها ، وكن كما انت اينما كنت ، سواء أكنت فى قاعها او فى قمتها ، فهى تحتضن الناس بفجورهم وتقواهم ، فقرهم وثرائهم ، انها راعية ترتدى قناعا فضفاضا على وجهها ، حين تنظر اليها من قاعها او قمتها ، تتراءى لك سيّدتك الفضلى .
قال رجل من المدينة بلا قناع : المدينة كلها مكان مظلم ، لا يضيئه الا صلاة العاشقين ، الا مديحهم لسيّد هذا الخلق العظيم ، لا قاع فيها ولا قمة ، مكانك فيها ان شئت هو جنتك وان شئت هو جحيمك اليومى ، لا تخدعك مخيلة الظالمين التى هندست المدينة كما تراها فى غدوك ورواحك ، انها مجرد مخيلة صبيانية ناقصة عقل ودين وجمال .
رجل المدينة الذى بلا قناع قال قوله هذا وصار لى ولآخرين قناعا ومضى .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق