الجمعة، 14 سبتمبر 2012

محنة امريكا


                وودرو ويلسون (28 ديسمبر 1856 - 3 فبراير 1923 ) هو الرئيس الثامن والعشرين للولايات المتحدة الامريكية للفترة من 4 مارس 1913 الى 4 مارس 1921 ، استطاع عبر المبادىء الاربعة عشرة التى تقدم بها عقب الحرب العالمية الاولى الى الكونجرس الامريكى ان يؤسس لمعاهدات ومواثيق سلام عامة انبنت عليها العلاقات الدولية وكان من نتائجها انشاء عصبة الامم التى انتهت الى منظمة الامم المتحدة لاحقا ، الا ان اهم هذه المبادىء التى لايزال عالمنا اليوم يحتاجها بشدة هى :
              
              1- تخفيض التسلح الى الحد الذى يكفل الامن الداخلى
              2- وضع ادارة عادلة للمستعمرات تنفذ ما يحقق مصالح سكانها .

وقد الهمت هذه المبادىء شعوب العالم التى خضعت ازمانا طويلة للادارات الاستعمارية ، فسعى شبابها على هديها فى اقامة تنظيماته السياسية للتحرر من قبضة الاستعمار ، ورغم انتهاء الحقبة الاستعمارية الا ان الحاجة الى ادارات عادلة تنفذ ما يحقق مصالح سكان هذه المستعمرات السابقة صارت فى منطقتنا العربية والاسلامية ، الحلم المستحيل ، كما ان مبدأ تخفيض التسلح حسب احتياجات الامن الداخلى رغم انه مبدأ كان يخص اوروبا بالدرجة الاولى الا انه تسلل الى دول هذه المنطقة نتيجة لخطل السياسات التى اتبعتها الحكومات الوطنية وقاد عدم التقيد به الى ان يصير مشروعا ثابتا لدى الحكومات يستأثر بنسبة عالية فى ميزانياتها ظل يثقل على كاهل مواطنيها بحيث صار مستعمرا اشد قسوة من المستعمرين السابقين .

                وما يهمنى هنا انه وبالرغم من هذا التأريخ المشرق لأمريكا الذى وقف مع الشعوب المستضعفة بكل نبل ، نجد ان القوى السياسية التى بيدها النفوذ اللازم لصنع القرار السياسى او التأثير عليه فى منطقتنا ظلّت علاقاتها مع الولايات المتحدة الامريكية مجسدة فى عبارة الرئيس اوباما عن الحكومة المصرية الاخوانية (ليست عدوا ولا حليفا) بل للمفارقة كانت علاقات النخب التى حكمت المنطقة فى معظمها قائمة بقوة مع الدول التى استعمرتها من قبل لأسباب اهمها الربط او التقييد الاقتصادى فضلا عن المخاوف الناتجة من السياسة الأستعمارية الذكيّة التى خبأتها فى الخريطة السياسية لحدود كل دولة وفى خريطة توزيعات السلطة والثروة داخل كل دولة وتبعا لذلك فقد قتل مبدأ تخفيض التسلح الى الحد الذى يكفل الامن الداخلى ومبدأ الادارة العادلة القادرة على تنفيذ ما يحقق مصالح سكان تلك المستعمرات او الدول المستقلة حاليا فليس هنالك فرق كبير بين وضعهم فى الحالتين .

               ونظرا لأن بقية المبادىء كانت تهم الدول الاوروبية وتشكل احدى معضلاتها الدامية فقد استأثرت بجل اهتمام الادارات الامريكية المتعاقبة ، وتزايد هذا الاهتمام مع قيام الاتحاد السوفيتى سابقا طوال فترة الحرب الباردة حيث اكتفت تلك الادارات بحلفائها الاوروبيين وبدت مجمل علاقاتها القائمة مع دول المنطقة مبنية من خلال علاقات الدول الاوروبية ، فمعظم القوى السياسية والاجتماعية البارزة فى المنطقة احتفظت بعلاقاتها مع مستعمريها السابقين دون ان يعنى ذلك انتقاصا من وطنيتهم ولكن طبيعة المشروع الاستعمارى فرض داخل مستعمراته السابقة واقعا ارتبط به ارتباطا وثيقا يصعب الفكاك منه الا من خلال انقلاب هنا او هناك اما معاديا كليا للغرب او متحالفا كليا مع امريكا كدولة تحظى بأولوية سياساته وموارده .

                  ثم نشأت القضية الفلسطينية كصناعة اوروبية محضة بريطانية الفكرة ، وتولّت امريكا الدفاع عن هذه الصناعة عقودا طويلة الى ان تبيّن لها اخيرا ما احدثته مواقفها منها فى المحافل الدولية من اضرار بليغة عجزت كل جهودها اللاحقة فى ايجاد حل نهائى لها مما شكّل طوال تلك العقود تأريخا من الكراهيّة وسط شعوب المنطقة ، وايّا كانت مبرراتها فى انتهاج تلك السياسة الا ان تلك السياسة قد ادت الى تحويل الغضب الشعبى الكبير الذى كان موجها الى (وعد بلفور) ليتجه مباشرة نحو امريكا .

                  الآن تبدو امريكا فى حالة خلق مستميت لحليف او حلفاء اقوياء فى المنطقة العربية والاسلامية ولأن معظم قوى المنطقة الكبيرة لها ارتباط تأريخى طويل مع دول اوروبا فأن المتبقى من قوى المنطقة كحركات الاسلام السياسى التى برزت بشكل منظم فى عدد من الدول العربية والاسلامية لاتزال تفتقد الى ثقة الشعوب وتتكاثر حولها المخاوف من برامجها الموضوعة التى شهدنا بعض ملامحها فى التجربة السودانية وفى قطاع غزة .

                  لقد بذلت امريكا فى السنوات الفائتة جهودا كبيرة لكسب احترام شعوب المنطقة بدءا بمواقفها الاخيرة من القضية الفلسطينية مرورا بمساندتها لقضايا الحريات والحقوق وانتهاءا بقطيعتها مع الانظمة القمعية ودعم التوجهات الديمقراطية الا ان ظل اوروبا الذى لازمها طويلا وقف حاجزا امام بناء علاقات قوية مستديمة بالمنطقة ، وتكفى الحالة الليبية نموذجا لذلك ، فسيناريو سقوط نظام القذافى بدأت اولى خطواته فى القمة الافريقية الاوروبية التى اعد لها وتبناها القذافى وحضرها اكثر قادة اوروبا دهاءا ومكرا يقف على رأسهم الرئيس الفرنسى السابق ساركوزى الذى لعب الدور الاكبر فى اسقاطه ، ورغم ان اولى الهجمات العسكرية قد نفذها حلف الناتو بمعزل عن امريكا الا ان اشتراكها المؤخر الذى جرته لها اوروبا حملّها وزر العمليلت العسكرية كلها ودفعت ثمنه مقتل سفيرها ببنغازى ، السفير الموسوم لدى اوروبا بدوره البارز فى حسم الامور على ارض ليبيا ابان العمليات .

                امريكا فى محنة ليس للمنطقة علاقة بصناعتها ، وعليها العودة الى مبادئها التى تتحاكم بها فى ارضها وتبسطها على سياستها الخارجية لتخرج من تبعات هذه المحنة وعليها ان تعلم بأن معظم العناصر الموسومة بالنشاط والحيوية فى المظاهرات التى تخرج منددة بسياساتها هى اكثر العناصر حلما بأن تعيش فى ظل دولة كأمريكا .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

مشاركة مميزة

اسرار الخلاص

                    الأسئلة لا تستطيع ان تغطى مجاهيل هذى المخاضة ، لا جدوى من سؤال او اجابة فى حضرة ذاكرة محتلة بالعشق ، ذاكرة كل نوافذها...